هل حلّ الدولتين ممكن مع إطالة أمد الحرب؟

سوسن جميل حسن

حرير- قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، يوم 22 يناير/ كانون الثاني الجاري، إن الوضع الإنساني في قطاع غزّة، الذي تفرض إسرائيل حصاراً مطبقاً عليه حالياً بواسطة حربها على حركة حماس، “لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك”، وقال للصحافيين قبيل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي “من الآن فصاعدًا لن أتحدّث عن عملية السلام، ولكنني أريد عملية حلّ الدولتين”. مؤكّدًا أن الطريقة الوحيدة لتحقيق سلام دائم في المنطقة هي في “فرض حلّ الدولتين من الخارج”. وكان مسؤولون في الاتحاد الأوروبي قد وضعوا شروطًا عامة “لليوم التالي” لانتهاء الحرب الحالية، رافضين أي احتلال اسرائيلي طويل الأمد، داعين إلى إنهاء حكم حماس وإعطاء دور للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع.

يطرح هذا التصريح سؤالًا عن أهمية الموقف الأوروبي، والدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي في إنجاز هذه الفكرة التي حصلت فيما مضى على موافقة العالم في هيئاته الدولية.

في الواقع، ليست دول الاتحاد الأوروبي على “قلب” واحد في ما يخصّ الحرب الإسرائيلية على غزّة، أو لم تتّخذ موقفاً موحّداً جامعاً لها، فهناك دول اتخذت موقفا داعما بقوة لإسرائيل مثل ألمانيا التي ما زالت ترفض وقف إطلاق النار، في وقتٍ اختلف معه موقف بعضها الآخر كإسبانيا وبلجيكا وإيرلندا، يأتي خطاب بوريل في وقتٍ يسعى الاتحاد إلى توحيد موقفه درءاً لتهمة تلّوث أيدي حكومات دوله بدماء الفلسطينيين الذين باتت مقتلتهم الجماعية تهزّ ضمائر شعوب كثيرة، ومن بينها الشعوب الأوروبية، فالمظاهرات الحاشدة التي تجوب مدنا عديدة في العالم من أجل وقف الحرب وحماية المدنيين والأطفال، ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزّة الذي بات من لم تحصُده الحرب منهم في حالة جوع وفاقة حقيقية وعرضة للأمراض القاتلة، عامل ضاغط على الحكومات، إنما يبقى الأمر في نطاق الخطابات من دون طرح أفكار عمليّة يمكن من خلالها تكوين صورة عن حلّ الدولتين المطلوب، وكيف يمكن إنجازه.

غالبًا ما كان الدور الأوروبي في الشرق الأوسط تحت المظلّة الأميركية، فما زال غزو العراق ماثلاً في البال، والوجود الأميركي الحالي في شمال شرق سورية، وكان داعماً بالمال والسلاح، ومشاركاً أحياناً في عمليات قتالية، ليس في الشرق الأوسط وحده، بل في كل منطقةٍ تدور فيها الصراعات في ظل الأزمة العالمية الممتدّة، وصعود قوى دولية وإقليمية تطمح أن يكون لها مراكز قوى وموطئ قدم في السيطرة العالمية والإقليمية، والحرب الروسية على أوكرانيا دليلٌ حيٌّ حاليّاً.

لكن الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط لم يعد كما كان، بالقوة نفسها والتفرّد نفسه، هناك قوى دخلت على الخط، وباتت لاعبًا في صراعاتٍ، مثل الاتحاد الروسي والصين، من دون أن ننسى إيران وعلاقة الغرب بها، وحالة التوتّر الدائم منذ إلغاء أميركا الاتفاق النووي في العام 2018، هذا التوتر الذي جعل من مضيق باب المندب والنقل البحري في البحر الأحمر بؤرة صراع ساخنة، إضافة إلى أن الانتخابات الرئاسية الأميركية التي بدأت تجعل من موقف الحكومة الأميركية من الحرب في غزّة، وقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قضية حساسة ووازنة بالنسبة لتحديد المرشّح الفائز بالرئاسة، فالمواطن الأميركي لم يعُد يقبل بدفع فواتير كل الحروب التي تخوضها بلادُه، والتيار المناهض للحرب في غزّة يزداد اتساعًا.

فإذا كان هناك توافق عالمي على حلّ الدولتين الذي ترفضه حكومة نتنياهو بكل فجاجة ووضوح، كيف سيكون هذا الحل؟ وما هي الخطوات القابلة للتنفيذ التي بالإمكان البدء بها، ما دام نتنياهو لن يوقف الحرب، لأنه يعرف أن خروجه مهزوماً يعني نهايته السياسية وجرّه إلى المحاكم الدولية، بل وجرّ إسرائيل معه، فيما لو انضمّت دول أخرى إلى جنوب إفريقيا في دعاوى مماثلة ضد إسرائيل، وبقاء الحرب مفتوحةً على أمد غير معلوم يعني مزيداً من القتل والتدمير والتهجير والنزوح بحقّ الفلسطينيين، يعني المضي في إماتة قضيتهم، يعني مزيداً من الشعور بالظلم والقهر، وتكريس العنصرية بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، ما دام هناك أيضاً شريحة كبيرة من الإسرائيليين تُضمر نزعات فائقة العنصرية والكره للفلسطينيين. ولم تأت التصريحات التي قالها بعض المسؤولين، أو حتى النخب الإسرائيلية، من وصف الفلسطينيين بالحيوانات او العماليق أو وجوب إلقاء قنبلة ذرّية عليهم، من الفراغ، بل هناك عشرات الأطباء دعوا إلى تدمير المستشفيات والقضاء على المنظومة الصحّية الفلسطينية، في وقتٍ أكثر ما تحتاج إليه الشعوب هو هذه المنظومات، وقت الحرب.

حلّ الدولتين، الذي يمكن القول عنه إنه يلقى توافقًا من العالم، عدا إسرائيل بالطبع، أو على الأقلّ حكومة نتنياهو والأحزاب اليمينية، إضافة إلى جزء كبير من الناخبين الإسرائيليين، يحتاج في المقابل إلى توافق فلسطيني، وإلى أسسٍ واضحةٍ وخريطة طريق، وإلّا، لماذا الفشل منذ اتفاقية أوسلو؟ لماذا يخسر الفلسطينيون مع كل مرحلة مفصلية ما كان متاحاً قبلها؟ وكيف يمكن الحديث عن حلّ دولتين يأتي بالسلام بعده إلى المنطقة، ما دامت إسرائيل تتمادى على الأراضي الفلسطينية منذ ذلك التاريخ، حتى إن 40% من الضفة الغربية بات للمستوطنات، وفاق عددهم الثمانمئة ألف مستوطن، يمارس معظمهم عنصرية فائقة ضد الفلسطينيين، ولقد تمّ تسليح جزء كبير منهم؟

ما هو شكل الدولة الفلسطينية المقترحة؟ وما هي التنازلات التي يمكن لإسرائيل “بجبروتها” أن تقدّمها، حتى لو ضغط عليها أكبر حلفائها وأكثرهم التصاقاً عضويّاً بها؟ وهل العالم المتوافق في نظرته إلى القضية الفلسطينية على أن حلّ الدولتين هو العصا السحرية التي ستجلب السلام إلى المنطقة، لديه موقف واضح تجاه أن يكون للشعب الفلسطيني المحتلة أرضه، بإقرار هذا العالم ذلك، أن يكون له مقاومة أسوةً بكل الشعوب التي عانت من الاحتلال على مرّ التاريخ، ومنها الشعوب الأوروبية؟

أمام حلّ الدولتين عقبات كثيرة، يُفترض من العالم الذي يدّعي اهمامه بقضايا الشعوب وحقوقها، ومنها الحق في تقرير المصير والعيش الآمن، أن يناقش كل هذه القضايا المحورية، التي من دون توافق عليها لن يكون هناك إمكانية للحل، ولا جنوح نحو السلام في وقتٍ تصعد فيه القوى اليمينية والمتطرّفة والشعبوية في معظم أنحاء العالم، ولن يكون الوضع أقلّ من ذلك في فلسطين المحتلة، فهمجيّة الحرب التي فاقت التصوّر، وضرب إسرائيل عرض الحائط بكل مواقف الشعوب والدول والقوانين الدولية، لن يولّد غير التطرّف ومحاولات المحو والإقصاء بين الطرفين.

ما الذي يمكن أن تقدّمه أوروبا فعليّاً بالنسبة لحلّ الدولتين؟ أم إن الأمر لا يتعدّى الخطاب السياسي في إطار المواقف الإنسانية والأخلاقية، وصوناً لماء الوجه من الأنظمة أمام شعوبها؟

مقالات ذات صلة