تخريب الوطن من الداخل . . !

موسى العدوان

حرير- إن خير مثال يبين ما أهدف إليه، هو ما جاء في القصة التالية أيام عنفوان الاتحاد السوفيتي. يقول خروتشوف عضو الحزب الشيوعي السوفيتي، اتصل بي الرفيق ستالين وقال لي تعال إلى مكتبي بسرعة يا نيكيتا . . هناك مؤامرة كبيرة.

ولما وصلتُ وجدتُ مجموعة من الوزراء، فقال لي ستالين يا رفيق نيكيتا لدينا مصنع للإطارات (دواليب)، وهذا المصنع هو هدية من شركة فورد الأمريكية، ينتج الإطارات منذ سنوات بشكل جيد. ولكن فجأة ومنذ ستة أشهر، بدأ هذا المصنع بإنتاج دواليب تنفجر بعد بضع كيلومترات، ولم يعرف أحد لماذا يحدث ذلك. أريدك أن تذهب إلى المصنع فورا وتكتشف السبب.

وحال وصولي إلى المصنع باشرتُ التحقيق فورا، وكان أول ما لفت نظري هو حائط الأبطال على مدخل البناية، حيث توضع صور أفضل العمال والإداريين الذين عملوا بجد ونشاط خلال شهر. وبدأتُ التحقيقات مباشرة من أعلى مستويات الإدارة حتى أصغر عامل، ولكن لا أحد يعرف أسباب انفجار الإطارات. فقررتُ النوم في المصنع حتى أتوصل إلى حل هذا اللغز، فأنا لم أفشل في أي مهمة في حياتي العملية والسياسية، فما بالك إذا كان هذا التكليف صادر من قبل ستالين.

استيقظتُ في الصباح الباكر ووقفتُ في أول خط الإنتاج، وقمتُ بمتابعة أحد الإطارات (الدولاب) ومشيتُ معه من نقطة الصفر حتى خروجه من خط الإنتاج، وقد أُصبتُ بإحباط شديد. لقد سارت عملية التصنيع بشكل طبيعي وكل شيء سار بمساره الصحيح وبصورة متقنة. طلبت تركيب الإطار على إحدى العجلات الأمامية لسيارة ركبتُ بها، وطلبتُ من السائق السير بسرعة متوسطة. ولكن الإطار انفجر بعد بضع كيلو مترات من المسير.

قمتُ فورا بجمع المهندسين والعمال والإداريين، وأحضرتُ المخططات وقمتُ بالاتصال بالمهندسين الأمريكيين لأستفسر منهم عن الخطأ، ولكني لم أصل إلى حل. ثم قمتُ بالإشراف على تحليل المواد الخام المستخدمة في صناعة ذلك الإطار، فأثبتت التحاليل أن المواد المستخدمة في صنعه ممتازة جدا، وليست هي السبب أبدا في انفجار الإطارات. لقد أصابني الإحباط وأحسستُ بالعجز، وكان الهاجس الأكبر كيف أستطيع مقابلة ستالين دون أن أجد حلا لهذه المشكلة، التي ارتبط حلها بمستقبل حياتي ومستقبلي السياسي؟

وبينما كنت أمشي في المصنع، لفت نظري حائط الأبطال وصورهم المنشورة، إذ كان على قائمة صورهم، صورة أحد المهندسين وهو يتربع على رأس هذه القائمة منذ ستة أشهر، أي منذ بدأت هذه الإطارات بالانفجار دون معرفة السبب.

لم أستطع النوم في تلك الليلة، وقمتُ باستدعاء هذا المهندس إلى مكتبي صباح اليوم التالي، وقلتُ له أرجوك اشرح لي يا رفيق، كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر متتالية ؟ فقال لي لقد استطعتُ أن أوفر الملايين من الروبلات للمصنع والدولة. فقلتُ له وكيف استطعت أن تفعل ذلك ؟ فأجابني ببساطة: قمتُ بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار، بناء على توصية من المهندسين الأمريكان، وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا . . !

هنا أصابتني سعادة كبيرة . . فقد عرفتُ حل اللغز أخيرا ولم أصبر على ذلك، فقد اتصلتُ بستالين فورا وشرحتُ له ما حدث. وبعد دقيقة صمت قال لي بالحرف الواحد: والآن أين دفنت جثة هذا الغبي؟ فأجبتُه وأنا خائف إنني في الواقع لم أعدمه بل سأرسله إلى سيبيريا، لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج، رفعت صورته كبطل قومي في مدخل المصنع لستة أشهر. . ! انتهى.

* *

التعليق :

أعداء الوطن الذين يخرّبون اقتصاد الوطن، والذين يفسدون في مختلف مفاصله، ليسوا من يحاربوننا من الخارج، بل هم من ينفذون في الداخل التعاليم الخبيثة لأعدائنا في الخارج، ومنهم أصحاب الملامس الناعمة، والوجوه الباسمة، والنوايا الخفية، الذين يهبطون علينا بالبراشوت، فيمارسون في بلادنا أبشع صور التخلف وتدمير الاقتصاد، تحت غطاء التطور المزعوم، الذي لم يقدم للوطن شيئا نافعا.

هل يعقل أن دولة تجاوز عمرها المئة عام، ما زالت تعتمد على تلقي المساعدات والهبات من دول العالم لكي تحافظ على بقائها، ولم تستطع على سبيل المثال، إقامة مصنع أقلام بل تستوردها من الهند أو غيرها ؟ والأبلغ من ذلك . . أنها تسلّم شريان حياتها من الماء والغاز للعدو، وترهن أراضيها للقواعد العسكرية الأجنبية مجانا ؟

هناك دول في جنوب شرق آسيا وفي شمال أفريقيا، عمرها أقل من عمر دولتنا، ومصادر الثروات الطبيعية لديها أقل مما لدينا، ولكنها بنت نفسها وأصبحت في طليعة الدول الصناعية المتقدمة بفضل قادتها المخلصين، بينما بقينا نحن في ذيل الدول المتخلفة، نعاني من ظروف اقتصادية بائسة، بفضل سياسات جامدة مستوردة، ومسؤولين لا تعنيهم مصلحة وطن . . !

مقالات ذات صلة