بل قنبلة في يد الحكومة!.. محمد أبو رمان

وصف النائب نبيل غيشان قصة “هروب رجل الأعمال” أو هكذا أطلق عليها إعلامياً، بأنّها قنبلة انفجرت في وجه الحكومة، وقدّم النائب تفصيلات مهمة، تتضافر مع المعلومات التي قدمتها وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، جمانة غنيمات، حول الحيثيات المتوافرة حول الموضوع، وأكّدت أنّ هنالك 5 أشخاص على علاقة بالقضية منعوا من السفر، فيما استطاع رجل الأعمال المعني الأول في الموضوع (ونحن لا نحكم هنا فالمسألة بين يدي القضاء) خارج البلاد؟

دعونا من التفصيلات المهمة التي كشفت عنها الوزيرة فيما يتعلق بمصنع الدخان، وحتى بعيداً عن الجانب القضائي، فما يزال الأمر قائماً، لكن المهم هو البعد السياسي في الموضوع، والفساد السياسي إن وُجد هو التحدي الحقيقي أمام الحكومة وأمام النخب السياسية، بخاصة أنّ مواقع التواصل الاجتماعي بدأت بتداول صور لرجل الأعمال المذكور مع شخصيات نافذة، لم نتأكد من صحتها؟ ولا من طبيعة الروابط، لكن ثمّة خيوط مريبة وفجوات في القضية ذات أبعاد سياسية تتطلب وضوحاً وشفافية ومساءلة وجرأة على مستوى عالٍ.
هل نحن أمام امتحان للولاية العامة للحكومة؟ كما ذهب النائب غيشان؟! أظن أنّ ذلك صحيح لكن ليس من زاوية أن نفترض تورط أطراف في الدولة في المسألة بصفتهم الرسمية، لأنّ مؤسسات الدولة باختصاصاتها المختلفة هي التي كشفت القضية، إنما الولاية العامة للحكومة تظهر هنا من زاوية أخرى على درجة أكبر من الأهمية وتتمثل في الانتهاء من حقبة الحكومة التكنوقراطية التي تهتم بالشأن الاقتصادي وغير معنية بالشؤون السياسية بصورة عامة، وهي الظاهرة الخطيرة التي رافقت الحكومة الماضية؛ إذ كان رئيس الوزراء والوزراء يختفون عندما تقع أزمة من العيار السياسي الثقيل!
إذا حسنا فعلت وزيرة الإعلام عندما بادرت فوراً إلى تجميع المعلومات وتأطيرها وبناء رواية الدولة وسرديتها وملأت الفراغ، ولم تترك المجال لكرة الثلج المتدحرجة لتكبر ويصبح بناء الرأي العام تحت سيطرة التخمينات والمبالغات والإشاعات.
ليس ذلك فحسب، فالمطلوب أيضاً أن يكون هنالك تنسيق بين الحكومة والمؤسسات والأجهزة المختلفة في الدولة وأن يتم التعامل مع الملف بأبعاده السياسية كاملةً، وأن تتم الإجابة عن الأسئلة الشعبية بوضوح وصراحة وشفافية، وألا يتوارى المسؤولون والوزراء عن الأنظار، ويقدموا ما هو ثابت متوافر، حتى يمنعوا انفجار القنبلة الافتراضية المرتبطة بهذا الملف!
كما قلت لا نتعجّل الحكم والاستنتاجات، لكن بالضرورة وبالمنطق هنالك مشكلات حقيقية في إدارة التعامل مع الملف، حدثت عند نقاط معينة، من الضروري أن تتوضح، وألا يكون ذلك موقف الحكومة وحدها، بل الدولة جميعاً، لأنّ الدولة نفسها دفعت ثمن قصص الفساد من سمعتها ومصداقيتها، والمواطنون اليوم غير قادرين على تحمل أنواع جديدة من هذه القصص.
للمرة الألف، التطورات والأحداث تثبت سقوط نظرية “الحكومة التكنوقراطية” تماماً، إذا كان هناك من ما يزال يؤمن بها في أروقة الدولة وأوساط النخب السياسية، فالشارع اليوم يريد حكومة تتحمل المسؤوليات السياسية، وهذا ما تعلمته الحكومة الحالية مما سبق، لذلك من الضروري أن تعكس الحكومة الجملة لتكون هذه القصة قنبلة في يدها ضد خصومها والمشككين في جديتها ببدء مرحلة جديدة.

مقالات ذات صلة