العلاوين يكتب في ماهية الأمن القانوني ومقوماته

 

 

يقول الله عز وجل: ﴿ ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ ﴾ [ قريش: 4].

يعد الأمن ضرورة اجتماعية لا غنى عنها في أي مجتمع، فالنظام والاستقرار مكون اساس لاستقرار اي دولة. ومن هنا برزت الأهمية الكبيرة للحديث عن الامن الغذائي والأمن الاقتصادي وغيرها. ونعتقد أن الأمن القانوني لا يقل اهمية عن هذه المفاهيم . فالأمن القانوني يعتبر مدخل رئيسي لتامين الأمن الاجتماعي والاقتصادي وغيرها في الدولة. فهو الوسيلة والأداة العملية لتتعزيز سيادة القانون وتحقيق الأمن والأمان للمجتمع وأفراده . وهذا ما حمل البعض للدفاع عن الأمن القانوني والنص عليه كمبدأ دستوري ملزم كونه من ركائز دولة القانون والمؤسسات.

بشكل عام يعبر مفهوم الأمن عن كل شيء له علاقة بالطمأنينة والسلام. وبشكل خاص، ينصرف مفهوم الأمن القانوني إلى فكرة الثبات النسبي للعلاقات القانونية وتوفير حد أدنى من استقرار المراكز القانونية بهدف اشاعة الأمن والطمأنينة بين اطراف العلاقة القانونية بحيث يتمكن الافراد من التصرف باطمئنان دون التعرض لمفاجأت تتمثل في سن أو تعديل القوانين بصورة مفاجئة متكررة لا تحافظ على الحقوق المكتسبة. فالأمن القانوني يهدف الى الحفاظ على استقرر المراكز القانونية القائمة بين الافراد في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية بقصد تمكينهم من التصرف باطمئنان وعدم الخوف من تغيير القواعد القانونية الناظمة لتصرفاتهم واتفاقاتهم. وبمثال واضح فان تعديل قوانين مثل قانون الاستثمار بشكل متكرر قد ينتج عنه اثار سلبية على الاستثمار. أذ ان المستثمر يهمه استقرار التشريعات التي تحافظ على مراكزهم القانونية وبالتالي الحفاظ على استثماراتهم.

اذا يتضمن مفهوم الأمن القانوني 

اولا: اصدار قوانين تتوافق مع الدستور وبما يكفل الحقوق والحريات ، 

ثانيا: تحقيق استقرار نسبي بتطبيق القانون وديمومته مما يعزز ثقة الافراد واحترامهم للقانون وكذلك انعدام الخوف والثقة بالقانون. وهذا لا يعني ويجب الا يعني أن  القانون لا يقبل التعديل، انما ان يتم ذلك وفق ضوابط  دستورية تراعي الحاجة الفعلية للتعديل ووفقا لاليات ملائمة في صناعة التشريع (الحاجة الفعلية، دراسات عملية وفعلية لجودة التشريع المقترح، الصياغة القانونية من حيث الوضوح واليقين والشمولية وغير ذلك من المعايير الناظمة لجودة التشريع. فجودة التشريع هي المدخل لتحقيق الأمن القانوني.

على سبيل المثال وفي ظل التطورات التي تشهدها المجتمعات وخاصة في مجال التكنولوجيا، ظهرت الحاجة الملحة الى تعديل او تغيير نصوص القانون ومراجعتها في بعض المسائل ذلك استجابة لحاجات فعلية واعتبارات عملية للمجتمع. مثال ذلك تنظيم تشريعي واضح لموضوع التبليغات الالكترونية او المحاكمات عن بعد في ظروف استثنائية مثل جائحة كورونا.

فهذا المبدأ كأحد اهم مقومات دولة القانون، يعني أن تلتزم الدولة بتحقيق قدر معين من الثبات للتشريعات وحد أدنى من استقرار المراكز القانونية بحيث يتاح للافراد التصرف باطمئنان من خلال تطبيق القانون النافذ وترتيب اوضاعهم وفقا لذلك القانون وعدم مفاجأة الافراد بقواعد قانونية تهدم توقعاتهم ومراكزهم المشروعة.  

ولا شك أنه لا يمكن وضع تعريف محدد لمفهوم الأمن بشكل عام ومفهوم الأمن القانوني بشكل خاص، الأ انه يمكن القول أن للامن القانوني صور ومظاهر مختلفة، يمكن رصد بعض هذه المظاهر والتطبيقات: 

مبدأ المساواة امام القانون، عدم رجعية القانون، قوة الشيء المقضي به، وضوح القواعد القانونية وعدم تناقضها وتوفير الضمانات القضائية للجميع باللجوء للقضاء للمطالبة بحماية حقه، والتفسير الضيق في مجال النصوص الجزائية والأثار الملزمة للعقد وغيرها. 

وهنا نلاحظ ان مفهوم الأمن قد تغير من كونه مجرد وسيلة واداة ضبط إلى كونه أساس لدولة القانون والتي اشار اليها جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله في الورقة النقاشية السادسة.  

من جهة اخرى، يمكن القول أن هناك مظاهر مختلفة قد تؤدي للاخلال بالامن القانوني منها: 

  • تعدد التشريعات الناظمة لموضوع من الموضوعات او ما يعرف بالتضخم التشريعي.

مثال ذلك التشريعات الناظمة لعمل الجامعات، حيث نجد تعليمات أو أسس متعددة تنظم موضوعات ترتبط مع بعضها البعض ويمكن دمجها ووضعها في تعليمات واحدة تشمل مثل هذه الموضوعات في تعليمات واحدة، أي جمع وحصر التشريعات المنظمة لموضوع واحد في تشريع واحد. ولعلنا نلمس تغييرا في هذا الاتجاه من حيث وضع تشريعات موحدة من حيث الاحكام والمبادىء العامة في الجامعات مثل مشروع نظام المكافاة والادخار ومشروع نظام الموظفين  وغيرها.

  • التعديلات المتكررة المتقاربة زمنيا على القانون بما يخل بتوقعات ومراكز اطراف العلاقة القانونية
  • كثرة الدعاوى المقامة لدى القضاء الاداري في مواجهة الادارة العامة باعتبار ذلك مؤشر على عدم الالتزام بتطبيق احكام القانون بشكل سليم لاسباب عديدة منها غموض النصوص القانونية او تفسيرها بشكل غير ملائم أو غير ذلك. 
  • عدم وضوح القواعد القانونية. 

لذلك يتعين مراعاة المعايير الناظمة لجودة التشريعات وتعزيز مبدأ الأمن القانوني باعتباره مدخل لسيادة القانون في اي دولة 

المحامي/ أ.د. كمال العلاوين

العميد السابق لكلية الحقوق/ الجامعة الأردنية. 

مقالات ذات صلة