متى نشعر بنتائج القمم العربية؟

مي عزام

حرير- تركت القيادة الشابة والجريئة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تأثيرها على جميع مناحي الحياة في بلاده، فقد استطاع خلال سنوات قليلة من ولايته العهد أن يستعيد شباب المملكة، في قراراتٍ عديدةٍ بدت حينها ثوريةً إلى حد كبير، فهو ينظر إلى المستقبل ولا يستغرقه الماضي. ويلاحظ المتابع للسياسة الخارجية السعودية أن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء يرسم خطوطا جديدة لهذه السياسة، إذ يُعاد ترسيم التحالفات الاستراتيجية التقليدية وفقا للمصالح السعودية وأمنها القومي، كما أن المملكة تحاول جاهدة أن تنأى بنفسها عن الانحياز الكامل لقوة عظمى دون القوى الأخرى، بل تبحث عن التوازن في عالم يتشكّل فيه نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب. وفي الوقت نفسه، تسعى المملكة إلى أن تصبح حجر الزاوية في محيطها الإقليمي، بنزع فتيل النزاعات من المنطقة واستعادة الاستقرار. وقد بدأت ذلك بالاتفاق التاريخي مع إيران برعاية صينية، وإذا تحقّقت بنوده، فسيكون وثبة إلى الأمام لعدة دول عربية عانت عواصمها من تمدّد النفوذ الإيراني، ومحاولات استقطاب طائفية كانت لها آثار سلبية عليها.

رفعت قمّة جدة التي عقدت أخيرا شعار “التغيير والتجديد”، وهو عنوان يتماشى مع نهج المملكة في السنوات الأخيرة. وقد خرج الإعلان الختامي للقمة متضمّناً أكثر من 32 بنداً لمختلف القضايا الملحّة في العالم العربي، بدءاً من القضية الفلسطينية والأزمة السورية والوضع اللبناني، مروراً بالملف الإيراني، وقضايا الهوية والبيئة، والملفّات الاقتصادية والاجتماعية، وذكر حزمة من المبادرات السعودية التي تسعى المملكة من خلالها إلى توفير الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي للمنطقة العربية، لكن البيان لم يذكر شيئا عن آليات تنفيذ هذه المبادرات، وكيف ستتحوّل من خطط وأفكار مطروحة إلى واقع يشعر به المواطن العربي، ويكون له تأثير على حياته اليومية. ولعلنا نذكر قمّة “لم الشمل” العام الماضى في الجزائر، بعد المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وكانت من أهم بنودها إقامة انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينيتن خلال عام من تاريخ توقيع الاتفاق، وهو ما لم يحصل، رغم الحماس الشديد الذى واكب هذه المصالحة. كما أكّدت قمة الجزائر أنّ القضية الفلسطينية محورية، وأنه لا بديل عن حل الدولتين. وخلال العام المنصرم، ساءت الأوضاع في الداخل الفلسطيني المحتلّ بسبب تعنّت حكومة نتنياهو اليمينية المتعصبة، ولم تتحرّك القضية الفلسطينية نحو الحلّ قيد أنملة.

أفكار كثيرة طرحت لتحديث منظمة الأمم المتحدة، منها السماح بحضور ممثلين عن الجمعيات الأهلية اجتماعاتها ليمثلوا الجانب الآخر من الدول. لم تعد الشعوب تثق ثقة تامة بحكوماتها، وهناك شكوك في أخطاء القادة بسبب انفرادهم باتخاذ قرارات سياسية خارجية، قد تؤدّي إلى فقدان الشعب رفاهيته واستقراره، مثل الدخول في حروبٍ خارجية أو الانخراط في صراعاتٍ ليس من ورائها طائل. أصبح الحديث عن هذه الصيحات الشعبية مكرّرا، خصوصا بعد انخراط الغرب في الحرب الروسية الأوكرانية، وما تلا ذلك من تضخّم وارتفاع في أسعار السلع الأساسية.

لا يتابع المواطن العربي مجريات القمم العربية، لأنه لا يتوقع منها نتائج يمكن أن تساهم في تحسين حياته. كانت الشعوب العربية تحلم بوضع استراتيجية تكامل عربي، تعود بالنفع والمصلحة على كل مواطن عربي من الخليج إلى المحيط، تحسّن أوضاعه المعيشية وتساعده على الاستقرار في موطنه، بدلا من الهجرة غير الشرعية في قوارب الموت عبر المتوسط. يحلم المواطن العربي البسيط باتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي، يصبح فيه حلم الوطن العربي الأكبر حقيقةً لا مجرد أشعار وأغنيات، حيث يمكنه التنقل عبر حدود الدول العربية ببطاقة الهوية الشخصية من دون تأشيرة دخول. لم يكن هناك تمثيل للشعوب العربية في قمّة جدّة التي رفعت شعار التغيير والتجديد، فهذا هو التغيير الحقيقي أن يستمع القادة العرب لممثلي شعوبهم، وتشعُر الشعوب بأنها تشارك في وضع خطط المستقبل، لأنها في النهاية من سينفّذها. وكان مرجوّا أن تضع القمّة العربية آليات لتنفيذ ما جاء في بيانها الختامي، وأن يكون هناك جدول زمني للتنفيذ وهيئة متابعة لمراجعته ومناقشة العوائق التي قد تعرقله في القمّة العربية التالية، وتقديم مقترحات للتغلب على هذه العوائق، وبهذا تصبح لبيانات القمم العربية قوة ومصداقية، ولا تعود مجرّد حبر على ورق.

العالم في طور المخاض، يعاد تشكيله بالدم والدموع. عادت الحرب الباردة لتطل برأسها بين روسيا والغرب، وكذلك يشتعل التنافس بين أميركا والصين، الدول ذات النظرة المستقبلية تبحث لها عن مكانة واضحة ومستقرّة بين الخرائط التي يعاد تشكيلها، والمنطقة العربية مؤهّلة بما لديها من ثروات ومقدّرات لأن تشارك في صنع المستقبل، بشرط أن يكون التضامن العربي حقيقة واقعة تسعى كل الدول إلى تحقيقه أولا لصالحها وثانيا لصالح باقي الدول العربية. الجميع يركب سفينة واحدة، تنجو بجميع ركابها أو تغرق بمعظمهم.

مقالات ذات صلة