أوسلو.. خطأ حسابات عرفات وحجة المطبعين

كتب حاتم الكسوانى

اما وقد تساقطت أوراق التطبيع العربي بفعل الرياح الأمريكية الإسرائيلية ، وبالتستر خلف مقولة إذا كان الفلسطينيون قد طبعوا وهم أهل القضية فلماذا تلوموننا ، فقد أصبح من الضروري ان نناقش إتفاقية أوسلو  والاسباب التي دفعت عرفات للسعي نحوها ورصد تداعياتها ولكن هذه المرة ببساطة وبعيدا عن تعقيدات التحليل السياسي… وبكل الأحوال تبقى سطورنا التالية ممثلة لرؤيا  خاصة ووجهة نظر شخصية.

تداعيات تاريخية خطت الطريق نحو أوسلو

إن المتتبع لمسار الثورة الفلسطينية منذ نشاتها حتى يوم التوقيع على أوسلو لا يستطيع إنكار خسارتها لكل موطئ قدم  وضعتها  على الأرض العربية.

فقد خرجت المقاومة الفلسطينية  من الأردن بقوة السلاح بعدتها وعديدها عام 1971 وكان خيارها الإنتقال إلى لبنان في ظل إنقلاب حافظ الأسد العسكري وطبيعة إدارته للحكم التي لا تقبل اي شريك او اي قوة مستقلة بقرراها وحرية حركتها   بجانبه.

ثم خرجت المقاومة من بيروت  إلى تونس بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام  1982 الذي دام اكثر من ثمانين يوما ” وابلت فيه المقاومة بلاءا حسنا”

خرجت المقاومة من بيروت  وفق إتفاق رعاه الأمريكي فيليب حبيب كمبعوث خاص للرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريغان حيث  افضى الإتفاق إلى خروج  المقاومة بعدتها وعديدها  من بيروت مع ضمان عدم مهاجمة المخيمات واللاجئين الفلسطينيين  بعد خروج مقاتلي المقاومة منها، إلا أن الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي والقوات اللبنانية (الجناح العسكري لحزب الكتائب) قد نقضت العهد وارتكبت مجزرة مخيمي  صبرا وشاتيلا  التي استمرت ما بين 16 و18 سبتمبر/أيلول 1982 ضد اللاجئين الفلسطينيين ، ونكلت بهم  ايما تنكيل حيث قتلت القوات الغازية حوالي  5000  لاجئ فلسطيني   .

و في تونس  نفذ الموساد الإسرائيلي عملية ” الساق الخشبية” و هو الاسم الحركي الذي أعطي للغارة الجوية لسلاح الجو الإسرائيلي التي وقعت يوم 1 أكتوبر 1985 ضد مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط (تونس)، استهدف خلالها سلاح الجو الإسرائيلي بوابل من القنابل  أحد أهم اجتماعات منظمة التحرير الفلسطيني، في منطقة حمام الشط (تونس)، موقعا  68 قتيلاً وأكثر من 100 جريح من القيادات الفلسطينية السياسية والعسكرية  إضافة إلى تدمير المقر بالكامل وبعض منازل المدنيين التونسيين  في المنطقة.

الإغتيالات للقيادات الفلسطينية تخلخل توازن القرار الفلسطيني.

كما لم يستطع لبنان حماية شواطئه التي تمكن العدو الصهيوني من إختراقها والوصول إلى إغتيال  القادة الفلسطينيين  محمد النجار وكمال عدوان وكمال ناصر (10 أبريل/نيسان 1973) لم تستطع تونس أيضا  حماية شواطئها التي تسلل عبرها وحدة من الموساد لتنفيذ عملية إغتيال الشهيد  خليل الوزير “أبو جهاد” القيادي البارز والرجل الثاني في قيادة حركة فتح  مهندس الإنتفاضة الفلسطينية الأولى الذي كان يؤمن بإمكانية تحريك جماهير الداخل الفلسطيني من الخارج    16نيسان /إبريل1988

وبعد ذلك إغتيال الشهيد القائد صلاح خلف  في 14 يناير 1991 في تونس في عملية جبانة بيد  عميل الموساد” حمزه أبوزيد  ”

لقد احدثت الإغتيالات الإسرائيلية  والعربية لرفاق السلاح  من الشخصيات  السياسية والعسكرية والإعلامية والأدبية الوازنة في حركة فتح  التي كان  ياسر عرفات يتشارك معها عملية إتخاذ  القرار الفلسطيني فراغا وضع القرار الفلسطيني بيد ياسر عرفات ووفق مزاجه

إن الفراغ  السياسي الذي أحدثه رحيل هؤلاء القادة الفلسطينيين  من خلال  ملاحقة الموساد الإسرائيلي لقادة المقاومة ورموزها في كل مكان جعل ياسر عرفات يفكر بنقل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الحاضنة العربية الضعيفة إلى الداخل الفلسطيني مؤمنا بمواهبه الشخصية ، وانه سيقدم انموذجا ثوريا تخلده الأجيال ويشار إليه بالبنان بعد تحقيق أهدافه بتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف فكانت اتفاقية أوسلو وسيلته لتحقيق تصوره هذا .

أوسلو مالها وماعليها

بعد  الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى نما التفكير في الحوار بين القيادة الإسرائيلية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية حيث كان الإتفاق بين الطرفين على مجموعة من النقاط التي رأى كل طرف انها لصالحه حيث انتزعت إسرائيل

– إعتراف منظمة التحرير بها.

– استطاعت تأجيل كل القضايا الحيوية كالقدس وحق العودة واللاجئين  إلى زمن غير مسمى .

– انهت وجود منظمة التحرير ونشاطها خارج الأراضي المحتلة و وضعتها تحت عينها ورقابتها وإمتلاك قرار تجميدها وشلها  او القضاء عليها.

أما منظمة التحرير فقد استطاعت الحصول على اعتراف إسرائيل بأنها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين  وانها السلطة التي تمثلهم  دون الإعتراف بها كحكومة لدولة فلسطينية قادمة

– الإعتراف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.

– نقل النضال  الفلسطيني من المنفى الى الأراضي المحتلة كما أراد وفكر عرفات.

– عودة مايزيد عن ”   300000 ثلاثمائة ألف” فلسطيني مع ياسر عرفات إلى أرض الوطن الفلسطيني.

لعب عرفات لعبته الثورية  التي أراد والمتمثلة بالسير بمسارين متوازيين المفاوضات والمقاومة متمثلا بذلك نهج وإستراتيجية  الثورة الفيتنامية ،  وقد تعاون بذلك مع الشيخ أحمد ياسين قائد حماس الذي كان يملك مستلزمات تنفيذ عمليات قاسية ضد العدو الصهيوني.

ولكن عرفات  الفلسطيني ابن البيئة المصرية غاب عنه المثل المصري القائل ” تيجي تصيده يصيدك” حيث عملت طبيعة العدو الغادرة على إغتيال الشيخ أحمد ياسين ونصب افخاخها لياسر عرفات.

كامب ديفد مقدمة للتفكير بإغتيال عرفات

بعد أن يأس كلينتون من تطويع ياسر عرفات بإنتزاع تخليه عن  أجزاء من الحرم القدسي الشريف لإقامة الهيكل الإسرائيلي قام بمواجهة عرفات أمام الوفد الفلسطيني لكامب ديفد  وخاطبهم  قائلا :

لقد قال لي بعضكم ان كل طموح عرفات ان يصلي بالمسجد الاقصى وها نحن نعطيه المسجد الاقصى ونعطيه القدس الشرقيه كاملة ولا يريد ان يعطي لليهود حقهم بمكان في القدس ليضعوا فيه معبدهم ، فاقنعوه انه بفعله هذا  يجني عليكم وعلى شعبه ونفسه فصمت الوفد الفلسطيني الا الرئيس محمود عباس الذي قال :

هذا ليس موقف عرفات هذا موقفنا كلنا ولا يستطيع احد فينا ان يتنازل عن القدس .
فرد عليه عرفات يا سيادة الرئيس انا لا اطالب بالقمر انا اطالب بتطبيق قرارات الشرعية الدوليه وقلت لك انا لا امتلك المسجد الاقصى حتى اتنازل لك عن جزء منه !!
وبعد ان يأس الرئيس كلنتون من عرفات قال له وهو يبتسم :

انا لا ألومك ولقد تبين لي أنك حريص على مصالح شعبك عكس بعض التقارير التي وصلتني عنك، ولكني ارجو ان لا تتحدث عن فشلنا بالإتفاق  حتى نستطيع ان نتواصل بما انجزناه بغض النظر عما اختلفنا فيه .

وما ان عاد  ياسر عرفات لرام الله حتى تم انتخاب شارون رئيسا للوزراء وقام باقتحام المسجد الاقصى متحديا مشاعر المسلمين ليتسبب في تفجير الانتفاضة الثانية التي قادها عرفات من مقره بالمقاطعة وفعلا كما كان قد كشف  كلنتون لعرفات  فلقد دمر عليه شارون مقره وكل مقرات السلطة في الضفة وغزة ودمر له طائره الهليكوبتر التي تنقله من الضفة الى غزه ودمر له طائرته التي يسافر فيها، وقتل المئات من الفلسطينيين واجتاح الضفة الغربيه ودمر كل شيء للسلطة الفلسطينية وكان يقصف مقر الرئيس ابو عمار على مدار الساعة من غير ان يستهدف حياته لانه وعد كلنتون ان يضغط عليه للاستسلام الكامل من غير قتله وحاصره الحصار الذي استمر سنتان كاملتان من غير السماح له ان يغادر مقره ، إلى أن تم نيله للشهادة التي طلبها وهو محاصر بالمقاطعة برام الله ولكن  بالسم  بفعل خياني من غير ان يستسلم او يقبل الشروط الأمريكية والاسرائيلية.

ومهما يكن من أمر فإن قادة الثورة الفلسطينية قد  اذكوا بنضالاتهم جذوة الثورة التي لن تنطفئ أبدا  في نفوس ابناء شعبهم وان عرفات قد اربك العدو الصهيوني نفسيا وعسكريا بوعيه للبعد النفسي في مخاطبة أبناء شعبه فزرع في أذهانهم وقناعاتهم ان لا نصر دون مقاومة و ان حتمية النصر قائمة لا محالة  وظل يكرر على مسامعهم عبارات :

– شعب الجبارين

– ياجبل ما يهزك ريح

– سيأتي يوم ترفع فيه زهرة من زهرات فلسطين او طفل من أطفال فلسطين علم فلسطين فوق أسوار القدس…. إنهم يرونها بعيدة ونراها قريبة، وإننا صادقون

أوسلو حجة المطبعين

إن المحلل الموضوعي يدرك بأن إتفاقية  أوسلو إتفاقية سعت إليها قيادة جربت كل ظروف التهجير والطرد والإبعاد عن الوطن في كل مكان مكثت فيه، بل انها تعرضت في  بعض الدول إلى تسهيل عملية إغتيال قياداتها وعناصرها

اي ان عرفات وزملائه  بتوقيعهم إتفاقية أوسلو كانوا مكرهين في لجوئهم إلى مثل هذه الخيار الصعب الذي يعطيهم فرصة النضال من وطنهم دون تحميل أي شعب شقيق مشاق وكلفة نضالهم الإقتصادية والسياسية والإجتماعية .

ولا يجوز لكل ساع للتطبيع مع العدو الصهيوني ان يشيطن الفلسطينيين بالقول انهم اول من طبع مع إسرائيل لان هناك فرق بين تنظيم نضالي متطلع للعودة لوطنه ، وعمل على تحقيق ذلك بإتفاقية امل ان  تسهل  أمر إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني عاجلا أو آجلا  بذهابه لمواجهة عدوه إنطلاقا  من  أرض وطنه المحتلة، وبين دولة  مطبعة تملك قرارها ومؤسساتها الدستورية ، ولا تقع حدودها بمحاذاة إسرائيل ولا تتعرض  لأي خطر  يدفعها للتطبيع  معها .

ولا يجوز لكل مطبع ان ينتقص من حالة النضال اليومي للشعب الفلسطيني ويغض الطرف عن تضحياته ودماء شهدائه.

ويكفينا النظر إلى معركة الأسير ماهر الأخرس الذي يكافح من أجل حريته بإضرابه عن الطعام لمدة إقتربت من مائة يوم بحالة لم تشهد الدنيا لها مثيلا من قبل.

وأعتقد بأن دول التطبيع ستعض على أصابعها ندما لأنها تتعامل مع دولة علقة تمتص دم وثروة ومقدرات وكرامة وحرية من تلتصق به.. وإن غدا لناظره قريب.

 

 

 

مقالات ذات صلة