باب الشين، فصل التاء..!.. حسين الرواشدة

ما نسمعه أو نقرأه في بعض وسائل اعلامنا العربية من انتقادات للحكومات وللسياسات العامة في يوم واحد، يعادل – او اكثر ربما – ما سمعناه في سنوات ابان كان الاعلام يتحرك باشارة من اصبع مسؤول، لكن هل يعني ذلك ان مجتمعاتنا تمارس حريتها في التعبير والتفكير، وتشارك في رسم السياسات والقرارات، وهل يعني – ايضا – ان اعلامنا استعاد عافيته، أم ان هذه الحريات تقتصر على الكلام لغايات التنفيس – او حتى – «التخميش» وتتعلق بقضايا محددة وسقوف محسوبة وأوقات معينة، فيما الافعال وما يتعلق بها من مشاركة وتأثير تنزوي في مكان محفوظ لها، ويتمتع اصحابها بحرية «التطنيش» لكل ما يصلهم من اسئلة ورسائل؟

صحيح ان فقه الحريات ازدهر في بلادنا العربية، وان الاختلاف بينها في مواسم هذا الازدهار ليس في النوع وانما في الدرجة فقط، لكن ما هي الحريات التي ازدهرت، وهل هي صحيحة ومنتجة وحقيقية أم مغشوشة واستهلاكية ومقلدة؟

لو قدر لي أن اجيب على هذا السؤال لقلت بأن ثمة عشرة انواع من الحريات يمكن رصدها في هذا المجال، وهي تندرج في باب الشين، فصل التاء(!) وتتوزع بين حريات يمارسها الانسان العربي – على مختلف مواقعه – وبين اخرى يمارسها المسؤول العربي – على حسب درجته الوظيفية، على صعيد الانسان العربي هنالك خمسة انوع: حرية «التحميش» وهذه الحرية يمارسها بعض الناخبين أو المحتجين، وحرية التلطيش يمارسها بعض المنتقدين، وحرية «التشويش» يمتهنها الجالسون على مقاعد المتفرجين، وحرية «التفشيش» يتسلى بها قليلو الحيلة الذين فاتهم القطار، وحرية التحشيش التي تندرج في باب النكتة غير البريئة.

هذه الحريات كلها تدخل في اطار «الاحتجاج» الناعم، وتسمح للمواطن أن يعبر عن رأيه دون ان يتحمل اية مسؤولية أو يترتب عليه سؤال او محاسبة، وهي – كما قلنا – تندرج في باب «الكلام المباح» الذي يريح مرسله ومستقبله معا، وتظل دائما تحت «السيطرة» وتساهم في تحسين الصورة دون ان تغير من الواقع شيئا.

على الطرف الآخر، ثمة خمسة انواع من الحريات التي يمارسها المسؤول العربي، ابرزها حرية «التطنيش»، وحرية «التهميش» وحرية «الترميش» وحرية «البخشيش» وحرية «التحريش». وهي اصناف اصبحت مفهومة ولا تحتاج الى شرح.

هذه الحريات تختلف تبعا للمناخات الاجتماعية والسياسية، والاهداف المطلوب تحقيقها، والجهات او الاشخاص المقصودين، لكن القاسم المشترك بينها هو اعتمادها على منطق الاستعلاء وعدم الاكتراث، وقدرتها على التعامل مع «الحريات» المقابلة بذكاء احيانا، باعتبار انها حريات لفظية غير عملية، ومؤقتة غير دائمة، ومطلوبة احيانا اخرى.

في بلادنا العربية ثمة حرية سؤال تقابلها حرية اهمال، وحرية اقوال تقابلها حرية افعال، وحرية تشويش تقابلها حرية تغشيش، وحرية تحميش تقابلها حرية تفشيش.. وهكذا وعليه فالجميع راضون بالقسمة، ومطمئنون الى هذا الفقه الجديد، وسعيدون بأنهم يسألون وغيرهم لا يجيب.

الدستور

مقالات ذات صلة