العدوان على قطر: اكتمال مربع الجرائم الأكثر وحشية

عبد الحميد صيام

حرير- ارتكب الكيان الصهيوني في يوم واحد جريمة العدوان على بلدين عربيين تونس وقطر. استهدف العدوان على ميناء سيدي بوسعيد في تونس إحدى سفن أسطول الصمود، وفي العاصمة القطرية الدوحة، استهدف العدوان الجوي اجتماعا لقيادة حركة حماس، كان سيبت في العرض الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، أي أن الاجتماع ينعقد لبحث مبادرة قدمتها الولايات المتحدة للوسيط القطري، ليقدمها بدوره لقيادة الحركة ووصفت بأنها تحمل جميع الشروط الإسرائيلية ورافقها تهديد من ترامب بأنها الفرصة الأخيرة. استدرجت قيادة الحركة إلى مكان الاجتماع فتم قصفه بالتشاور مع الرئيس الأمريكي، بهدف تصفية الفريق المفاوض كي تنتهي قنوات التواصل وتنتهي المبادرات لوقف إطلاق النار. وقد تزامن هذا القصف مع استمرار تدمير المباني والأبراج في مدينة غزة والطلب من السكان الإخلاء الفوري. وهذه مجموعة من الملاحظات حول هذا العدوان:

– باستهداف مدينة الدوحة بغارة جوية أصابت مبنى سكنيا، وقتلت ستة أفراد أو أكثر، من بينهم قطريون، تكون إسرائيل قد أكملت أضلاع المربع الأربعة، التي تشكل سلة الجرائم التي تقوم عليها المحكمة الجنائية الدولية: جرائم الحرب، جرائم ضد الإنسانية، جريمة الإبادة الجماعية وجريمة العدوان. وجريمة العدوان هي الأصعب من بين تلك الجرائم، حيث اختلف على تعريف ما هو «العدوان»، وعقد مؤتمر خاص لهذا الغرض في مدينة كمبالا عاصمة أوغندا عام 2010 وأدخلت تعديلات على التعريف تسمى «تعديلات كمبالا». وبقيت بعض الأمور معلقة لغاية عام 2018، حيث انتهى الجدل وتم التوافق على التعريف: «استخدام القوة المسلحة من قِبل دولة ضد سيادة دولة أخرى، أو سلامتها الإقليمية، أو استقلالها السياسي، بما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. ومن الأمثلة على ذلك: غزو أو احتلال أو ضم الأراضي، والقصف، والحصار، والهجمات على القوات المسلحة، واستخدام المرتزقة لتنفيذ أعمال تعادل الغزو».

والمادة 8 من نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، تجرّم ليس العدوان فحسب، بل تجرم أيضا مسؤولية القيادة عن شن حرب عدوانية. فعلى عكس بقية الجرائم التي يتورط فيها أشخاص، جريمة العدوان تطال كل القيادة السياسية المسؤولة عن قرار شن العدوان.

– هذا العدوان الصارخ يستهدف مفاوضات وقف حرب الإبادة على غزة، وإجهاض أية محاولة لوقفها. لقد كانت ردود الفعل الأولية لحركات المقاومة للمبادرة الأمريكية، التي هي نسخة عن الشروط الإسرائيلة، إيجابية تحت ضغط الأوضاع الإنسانية المتردية في غزة. ويبدو أن الثالوث الفاشي (نتنياهو- بن غفير- سموتريتش) أحسوا باقتراب نهايتهم، فيما لو توقفت الحرب. وفي يوم الثلاثاء نفسه أطلق نتنياهو عملية تدمير واحتلال مدينة غزة. وكان من المفروض أن يمثل نتنياهو في اليوم نفسه أمام المحكمة، التي تنظر في مخالفاته العديدة. لقد خلط الأوراق جميعها، فأبعد الاهتمام عن أكبر جريمة بحق الإنسانية وهي، تدمير مدينة كاملة بعدد سكان يصل إلى المليون وأصبح الحديث الأكثر صخبا هو العدوان على العاصمة القطرية، وتم تأجيل موعد مثوله أمام المحكمة.

– تصريحات ترامب بأنه غير سعيد أتفه من أن تؤخذ بجدية، فقد أعلنت القيادات الإسرائيلية أنها أبلغت ترامب بالعملية قبل أن تبدأ. ولا يمكن لنتنياهو القيام بعملية كهذه في بلد يعتبر حليفا قويا لواشنطن، وفيه مقر أكبر قاعدة أمريكية، دون ضوء أخضر من ترامب. جاء في بيانه: «القصف الأحادي داخل قطر، وهي دولة ذات سيادة وحليف وثيق للولايات المتحدة، تعمل بجد وتخاطر معنا للتوسط من أجل السلام، لا يخدم أهداف إسرائيل أو أمريكا. ومع ذلك فإن القضاء على حماس التي استفادت من بؤس السكان في غزة، هدف نبيل». كلام متناقض دون إدانة. وأهم ما جاء فيه أن القضاء على حماس هدف نبيل. وماذا تريد إسرائيل أكثر من ذلك. وما الاتصالات التي أجراها ترامب مع الأمير تميم ورئيس وزرائه محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلا محاولة لامتصاص النقمة، وتطييب الخاطر، وحصر الأضرار. فلا يعتقدن أحد أن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ نحو سنتين على الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية ليست حربا أمريكية بكل تفاصيلها. ولولا هذا الدعم اللامحدود لانهار «بيت العنكبوت»، وهرب كل إلى بلده الأصلي الذي جاء منه أو يحمل جنسيته.

– بالاعتداء على قطر وتونس تكون إسرائيل قد وسعت رقعة عملياتها لتصل إلى ثماني مناطق: غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران واليمن والآن قطر وتونس. هل يوجد شخص في هذه الأمة ما زال يعتقد أن خطر إسرائيل فقط على فلسطين؟ هل بقيت دولة تؤمن بأن هناك إمكانية للتعايش مع كيان كهذا؟ هل تعتقد الدول المطبعة، قريبها وبعيدها، أنهم في مأمن من الغطرسة الصهيوأمريكية. السؤال الذي يتردد على وسائل التواصل بكثرة ما هي الدولة التالية التي ستكون في مرمى نتنياهو أو سموتريتش أو بن غفير، الذي يأخذ صورة ووراءه شعار كبير مطلي على الحائط يقول «الموت للعرب». فإما أن تتنصل هذه الدول من العروبة (وهذا جائز في هذا الزمن الرديء) أو أن سكين بن غفير قد تطالهم. الخوف أن بعض هذه الدول سيلتصق بالكيان أكثر للحماية. الخوف أن عقود مشتريات المعدات العسكرية الإسرائيلية ستتضاغف، وزيارات الجنرالات ستتواتر أكثر. أتمنى على هذه الدول التي حاولت أن تقنع شعوبها بأن الخطر آت من البوابة الشرقية، أن تعيد النظر في آثار حرف البوصلة من الكيان، وتوجيهها إلى عدو وهمي ساهم الغرب في صناعته.

– البيانات التي صدرت من الدول العربية القريبة والبعيدة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تخيف عدوا ولا تضمد جراح صديق. فمن تخلى عن فلسطين وأحكم الطوق عليها وصمّ آذانه كي لا يسمع صرخات نسائها وأغمض عيونه كي لا يرى أجساد الأطفال وهم يذوبون جوعا. ومن أكثروا من حفلات الترفيه والمباريات الرياضية كي يضربوا صفحا عن المجازر في غزة، وهي على مرمى حجر، لا يمكن أن يأخذ بيانات الاستنكار والشجب ومناشدة المجتمع الدولي والاقرار بانتهاك القانون الدولي بشكل جاد. لم يسحب أحد سفيره من الكيان، ولم يعلن أحد إغلاق السفارة أو قطع العلاقات. لم يعلن أحد إغلاق المجال الجوي أمام طيران الكيان. لم يعلن أحد تجميد اتفاقيات التطبيع. لم يعلن أحد وقف الاستيراد والتصدير من وإلى الكيان. لم تعلن مطارات عربية وقف الرحلات العديدة يوميا من وإلى تل أبيب. لم توقف دولة مطبعة مشاركة الضباط الكبار في جيشها في اجتماعات مع شركات دفاع إسرائيلية، في وقت تتكثف فيه أوجه التعاون بين الجانبين في الصناعات الجوية، خاصة المسيرات. البيانات الخاوية التي تصف قطر بالدولة الشقيقة، لكنها لا تحمل خطوات عقابية محددة لن تغير في مسلك الكيان العدواني. ولديّ سؤال آخر: كم مجالا جويا عربيا قطعته الطائرات الإسرائيلية لتصل إلى الدوحة؟

وأخيرا، أتمنى على قطر أن تتخذ خطوات عقابية جادة وهي تستطيع ذلك. يجب أن ترفع القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، وتعيد النظر في علاقاتها وتحالفاتها. جلسة مجلس الأمن الخميس لا تتعدى كونها مخطبة للإدانات الخاوية، سفير الكيان يبرر وسفيرة ترامب تكرر ما قاله بكلمات مشابهة، وينفّض القوم بعد أن «أشبعوا الحرامي سبا، لكنه أودى بالإبل». فهل حان موعد النهوض القومي من هذا السبات الذي طال أكثر مما يجب.

مقالات ذات صلة