جدَل ديني حول قانون تنظيم الفتاوى في مصر

الكاتب المصري علي أبو الخير

حرب باردة تدور بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف في مصر، فيدور جدَل في الأوساط الدينية المصرية حول قانون تنظيم الفتوى، حيث تتم مناقشة القانون داخل مجلس النواب لإقراره، وكانت لجنة الشئون الدينية والأوقاف في مجلس النواب انتهت من مشروع قانون تنظيم الفتوى العامة المُقدّم من النائب في البرلمان الدكتور عمر حمروش، أمين سر اللجنة ، وأكثر من 60 نائباً آخرين، في شهر تموز/ يوليو 2017.

ولكن مشروع القانون عاد إلى دائرة الجدَل من جديد بعدما أرسلت هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف  في 25 حزيران/ يونيو 2018 بعض التعديلات عليه، أبرزها رفضها أن يكون للإدارة العامة للفتوى في وزارة الأوقاف أي اختصاص بالنسبة للفتوى العامة، وهو ما أثار غضب وزارة الأوقاف التي تتمسّك بوجود إدارتها بالقانون وعدم حذفها، حيث جاء تعديل هيئة كبار العلماء على المادة الأولى للقانون كالتالي:

“يُحظّر التصدّي للفتوى الشرعية إلا من خلال الهيئات المعنية بالفتوى في الأزهر الشريف، أو دار الإفتاء المصرية، أو من يُرخّص له بذلك من أي منهما، ويرجّح رأى هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف في حال تعارض الفتوى بين الجهات المذكورة، وفقاً للإجراءات والشروط التي تحدّدها اللائحة التنفيذية لهذا القانون”، وقد غضبَ الشيخ جابر طايع رئيس القطاع الديني في وزارة الأوقاف الذي قال:

“أزعم أن وزارة الأوقاف أقدم من مجمع البحوث الإسلامية، وأئمة المساجد من الأزهر الشريف، وهم صوت الأزهر الحقيقي في الشارع، نحن في الميدان وليس مَن يجلسون في المكاتب المُكّيفة، ويؤسفنى أننا نصحّح نسب إدارة الفتوى في وزارة الأوقاف، فمنذ أن أنشئت وزارة الأوقاف، سنجد إدارة الفتوى موجودة، ولا يمكن أن ينكر أحد دور إدارة الفتوى في الوزارة في الفتوى إلا مَن في عينيه رمَد أو لديه قذى، ونحن نزيل هذا القذى الآن، فالفتوى العامة حق أصيل لإمام المسجد ولا نفرّط فيه، ولو نحن فرّطنا أعتقد أننا سنصطدم بـ60 ألف إمام سيرفضون ذلك” .

وقال وزير الأوقاف الدكتور محمّد مختار جمعة: “تاريخياً الناس كلها طول عُمرها تعلّمت على يد شيخ المسجد، إذاً القصة ليست نوعية وإقصائية، الإمام عايش وسط الناس متمرّس في الواقع ومُخضرَم، الإمام يعرف مشاكل الناس وما يُطابق الواقع وما لا يُطابقه، ويعلم الفقه، والإمام في المسجد الأكثر تعاملاً مع الناس من غيره، ولن نبخس الأئمة حقهم، وأنا منعت تعيين الأئمة من خارج أبناء الأزهر، وكلنا من أبناء الأزهر…” .

ونرى ذلك كله صراعاً سلمياً بين جهة علمية مُتمثّلة في مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار علماء الأزهر من جهة، وبين جهة تنفيذية هي وزارة الأوقاف، التي تعتقد أن من حق أئمتها إصدار الفتاوى، ومثلاً ومنذ حوالى عامين وحّد وزير الأوقاف خطبة الجمعة في كل مساجد مصر، يطبعها والخطيب يقوم بإلقائها مثل نشرات الأخبار، كما منع صلاة الجمعة في الزوايا الصغيرة التي كانت أوكاراً لخُطَب التكفير، ورغم عيوب الخطبة الموحّدة، لكنها على الأقل منعت السلفيين من الخُطَب وإطلاق فتاوى التكفير، والغريب هنا أن أئمة وزارة الأوقاف هم في الأصل من خرّيجي كليات الشريعة وأصول الدين واللغة العربية التابعين لجامعة الأزهر، ومن هنا يعتبر هؤلاء الأئمة منعهم من الفتوى غير دستوري من البداية.

كما دار الجدل أكثر حدّة، حيث رأت هيئة كبار العلماء ضرورة التعديل بخصوص غرامة على مَن يفتي من دون إذن رسمي، فقد نصّت المادة الرابعة من القانون على أنه “يُعاقَب كل من خالف أحكام هذا القانون بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تزيد عن خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حال العود تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تقلّ عن مائة ألف جنيه”، ومعنى ذلك أنه يمكن لأي شخص أن يقوم برفع قضية حِسبة على أي شيخ من أئمة المساجد، ويقع تحت طائلة القانون الذي يحبس ويغرّم، وهنا نجد عقبة كيفية تطبيق العقوبة، ونتساءل عن كيفية منع غير المتخصّصين من إطلاق الفتاوى، فمن الممكن متابعة شيوخ السلفية الوهابية في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لا يمكن بل من المستحيل متابعة الشيوخ المنتشرين في كل أرجاء مصر من نشر الفتاوى لطالبيها، ومن دون طلب من خلال فتاوى الأحوال الشخصية والمواريث وغيرها مما تهم الفرد المسلم، هذا إلى جانب أنه من الممكن أن يرفع أي شيخ قضية أمام القضاء الإداري فيسقط القانون، لأنه لا يوجد في المذاهب السنّية الأربعة أي رأي أو فتوى تمنع ممارسة أي شيخ من أية جهة أن يُطلق فتاوى لمن يطلبها، ومن دون طلب في أغلب الأوقات كما قلنا.

لقد استمعنا خلال عقود لفتاوى صادِمة من أنصاف شيوخ من سلفيين وغيرهم، حول قضايا كبرى تحتاج لكبار العلماء، مثل الاستنساخ ونقل الأعضاء وتأجير الأرحام، ولكنها شهوة الكلام التي تبيح لمن يصعد المنبر أن يفتى في أي شيء من دون أن يحاسبه أحد، والمؤسف أن الجماعات الإرهابية تعتمد على الفتاوى الضالّة والمُنحرِفة لتبرير جرائمها مستغلّة حال الفوضى التي تسود عالم الفتوى وتسمح لكثير من الأدعياء أن يصدروا كل يوم فتاوى كاذبة وغير صحيحة تنشرها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، هؤلاء ينبشون كتب التراث القديم بحثاً عن الشاذّ ليقدّموا للناس فتاوى في غير زمانها ومكانها تخرّب العقول وتقسّم المجتمعات وتثير حروباً أهلية وتجرّ الخراب والفتنة على بلاد المسلمين، ومع الأسف يستخدمون أدوات ومواقع التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزيون ومنابر الصحافة للوصول إلى الناس كافة من دون ترخيص يعطيهم هذا الحق، ومن دون رقيب يُسائلهم عن محتوى فتاواهم، ومن دون أن يكونوا مؤهّلين للإفتاء أو يحصلوا على ترخيص بحقهم في الفتوى.

كما أن هناك من يأخذ الفتاوى من خارج مصر، من السعودية على وجه التحديد، ولا يمكن تطبيق القانون على الشيوخ غير المصريين، كما أن للسياسة دوراً آخر، يظهر في مثال قيادة المرأة السعودية للسيارات، كان شيوخ الوهابية لا ينفكّون عن إصدار فتاوى تحريم قيادة المرأة للسيارة، ولكن وليّ العهد محمّد بن سلمان حلّل الأمر، وأجبر الشيوخ على إصدار فتاوى عكسية تُبيح للمرأة قيادة السيارة، وغيرها من فتاوى السياسية التي تُبيح الحرب على اليمن ومساعدة داعش في سوريا، ولكنها أمور تخرج عن نطاق مقالنا، وتحتاج مقالا آخر..

المقال يعبر عن رأي كاتبه .

مقالات ذات صلة