سورية.. نازحون على حدود الأردن ومفاوضات سرية في الغرف المغلقة

على وقع المعارك الساحقة التي يشنها النظام السوري للسيطرة واستعادة المناطق في جنوب البلاد وخاصة المعابر الحدودية، انشغل الأردنيون في حوار واسع بعد إعلان الحكومة أنها لن تفتح الحدود للنازحين السوريين، وبأنها ما عادت قادرة على استقبال مزيد من اللاجئين.

النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن أطلقوا حملة ضغط على حكومتهم تحت وسم “افتحوا الحدود”، ونظموا حملات لجمع المساعدات للنازحين على الحدود، ودخلوا في سجال مع الحكومة مطالبين باستمرار الأردن بمواقفه الإنسانية التي لا تخذل مستجيرا.

لا يصغي كثيرون للمرافعة التي ينشط في تقديمها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي والتي تؤكد على أن مشكلة النازحين واللاجئين ليست مشكلة أردنية، وبأنه لا يجوز تحميل الأردن وزر الأزمة السورية، بل يجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، وقبل ذلك يجب مساءلة المتسببين بالمأساة الإنسانية.

بعد لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد الصفدي أن الأردن يدعو لوقف إطلاق النار في الجنوب السوري، وتأمين المساعدات للسوريين على أرضهم.

وذهب الصفدي للتذكير بمواقف الأردن بالقول “لقد تشاركنا مع اللاجئين السوريين لقمة الخبز، والمدارس والمستشفيات”.

ويضيف “تحملنا بما فيه الكفاية بصدر رحب، وعلى الآخرين تحمل مسؤولياتهم، وقبل أن نتحدث عن تهجير السوريين من أرضهم، علينا أن نتحدث عن حمايتهم على أرضهم”.

أعلن الأردن منذ بدء المعارك في الجنوب السوري أن حدوده مغلقة، هذه الخطوة اتخذها بعد انهيار اتفاقية خفض التصعيد التي كان طرفا فيها مع روسيا وأميركا، وعلى ما يبدو فإن هذه الاتفاقية قد تجاوزتها الأحداث وأصبحت من الماضي، رغم نجاعتها لأكثر من عام، في الحفاظ على الحدود ومنع التصعيد والاشتباك.

في واجهة الأحداث تتقدم قوات الجيش السوري لحسم المعركة وتصفية القوات المعارضة، وتتسرب معلومات بأن قادة عسكريين روس يفاوضون فصائل المعارضة على التسوية والمصالحة، وأهم الشروط تسليم الأسلحة الثقيلة.

وحسب المعلومات فإن العديد من فصائل المعارضة اعتبرت ما يعرض عليها من اتفاقيات وتسويات بوساطة روسية اتفاقيات مذلة، وليس أكثر من استسلام بدون شروط، ولهذا نقل عن الناطق باسم الجيش الحر إبراهيم الجباري قوله “انتهى الاجتماع بالفشل، الروس لم يكونوا مستعدين لسماع مطالبنا وقدموا خيارا واحدا، وهو قبول شروطهم المذلة بالاستسلام، وهذا رفض”.

أدرك الأردن منذ أشهر بأن اتفاقية خفض التصعيد في طريقها للانهيار، وأن هناك تفاهمات تدور خلف الأبواب المغلقة بين الروس والأميركيين تتمحور أساسا في ضمان عدم اقتراب القوات الإيرانية أو الميليشيات التابعة لها من الحدود الإسرائيلية، وهذا مفاده إطلاق يد جيش النظام لاستعادة المناطق ما دام يلتزم بهذه القاعدة ولا يخرقها، وشعرت عمان بأن مصالحها ومخاوفها الأمنية لا تأخذ دوليا ضمن الأولويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

بعد “الموت السريري” لاتفاقية خفض التصعيد، وتسيد الروس للمشهد، وما بدا إدارة الأميركيين لظهورهم، شكل الأردن خلية أزمة أمنية عسكرية تحركت بالظل وبعيدا عن الأضواء لضمان مصالحه، والتعامل بجدية مع مخاوفه الأمنية، وكان الطرف الرئيس بالمفاوضات الروس.

طوال السنوات الماضية خلق الأردن حلفاء، و”حائط صد” تمثل في مجموعات سورية مقاتلة تصون وتحمي حدوده، وقد نجحت هذا الاستراتيجية على الأقل في منع الجماعات الإرهابية وخاصة “جيش خالد بن الوليد” المرتبط بتنظيم “داعش” من تحقيق اختراقات بالقرب من الحدود الأردنية تزيد من مخاطره.

اتهم الأردن مرارا من قبل الحكومة السورية وتابعين لها بأنه يدعم بالسلاح قوات تابعة وخاصة “قوات العشائر”، و”قوات شباب السنة” بقيادة أحمد العودة، هذا عدا عن علاقاته الجيدة “بالجيش الحر”.

آخر الإشاعات والاتهامات تزويده لهذه القوات بالأسلحة النوعية قبل شهر رمضان استعدادا للمعارك التي اندلعت، بعد أن انتهت اتفاقية خفض التصعيد وأصبحت طي النسيان.

كثيرة هي المعلومات التي تتداول عن المفاوضات السرية التي حدثت بين المعارضة السورية والروس بحضور أردني، أهمها وآخرها أن تسلم قوات المعارضة معبر نصيب للجيش السوري، وتنسحب قوات المعارضة من المناطق المحاذية للمعبر، ويرفع النظام السوري علمه على المعبر، ويضمن فتحه وانسياب البضائع الى الأردن وبالعكس، على أن تأخذ المعارضة السورية 50 في المئة من واردات المعبر، وجرى حديث بعدها عن نسبة 30 في المئة فقط.

لم تنجح هذه الصفقة وفق معلومات مصادرها المعارضة السورية لأكثر من سبب أبرزها؛ رفض رفع العلم السوري، وتسليم أراض للجيش، واختلاف على نسبة الواردات من التبادل التجاري سواء للنظام أو المعارضة.

رغم فشل المفاوضات، فإن اجتماعات لفصائل المعارضة السورية، حسب نفس المصادر، تمت في المنطقة “الحرام” التي تفصل حدود جابر الأردنية عن معبر نصيب السوري بحضور روسي أردني، ودار تفاوض على انسحاب قوات المعارضة السورية شريطة ضمانات روسية بانسحاب القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها 80 كيلومترا عن الحدود الأردنية.

وللمرة الثانية لم تنجح “الصفقة” وانسحبت فصائل المعارضة وأعلنت أنها جاهزة للمعركة بعد عيد الفطر، وتواصلت الجهود الأردنية ـ الروسية عبر خلية الأزمة الأمنية العسكرية لترتيب اتفاق يضمن للأردن فتح معبر نصيب، وعدم دخول اللاجئين لأراضيه، عبر ضغط روسي على النظام السوري لفتح مخيمات سورية في مناطق آمنة، وأربعة ممرات إنسانية لوصول النازحين السوريين إليها، ويعهد الإشراف عليها للهلال الأحمر.

كل هذه المحاولات للوصول الى تسوية أو مصالحة لم تتكلل بالنجاح، واجتاحت القوات السورية بدعم روسي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ووصلت مشارف معبر نصيب، واستسلم العديد من الفصائل المعارضة والقرى حتى لا تتعرض للسحق.

رغم حرص الأردن على الوصول لتسوية وتجنيب المدنيين المعارك وحمايتهم، فإن ما يهمه أولا أمنه ومصالحه، والخط الأحمر الذي لا يقبله وجود قوات إيرانية أو ميليشيات “حزب الله” قريبا من حدوده، وهو ما أثار غضبه حين تأكد من وجود قوات إيرانية وميليشيات تابعة لها مصاحبة وضمن قوات الجيش السوري، مما أعاد الأمور إلى مربع الصفر، وعادت المعارضة لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها قوات النظام.

التطور اللاحق والمفاجئ عودة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وبواسطة أردنية أيضا. وهذه المرة أسفرت عن تخلي “قوات شباب السنة” عن مدينة بصرى الشام، وتسليمها مع بعض الأسلحة الثقيلة لقوات النظام، التي أصبحت بذلك على مسافة تقل عن ثمانية كليومترات عن الحدود الأردنية.

في الغرف المغلقة، المفاوضات مستمرة وما يرشح عنها من معلومات مؤكدة قليل ونادر، وسط كم هائل من الإشاعات. وعلى الأرض، الأوضاع الميدانية ثبتت عند هذه النقطة منذ يومين، مع استمرار الاشتباكات والقصف، دون أن ينجح أي طرف بتحقيق أي تقدم على حساب الآخر حتى الآن.

الصورة في الجانب الأردني واضحة، رغم ضغط الخارج والداخل، فهو لن يعيد تكرار السيناريو وفتح حدوده للاجئين السوريين الذين بلغ عددهم باعتراف وزير الخارجية أيمن الصفدي 1.3 مليون لاجئ. والطريف في الأمر ما نشرته صحف أردنية بالتزامن مع إغلاق الحدود بأن المجتمع الدولي قدم 7 في المئة من الدعم المقرر وفق خطة الاستجابة للأزمة السورية، فمجموع ما دفع 181 مليون دولار من أصل 2.5 مليار، 59 مليون دفعت للمجتمعات المستضيفة، و125 مليون ذهبت للاجئين على أراضيه، في حين لم تدعم خزينة الدولة.

تسعى الحكومة الأردنية لتخفيف ضغط الشارع، لذلك بادر رئيس الحكومة عمر الرزاز الى زيارة الحدود الأردنية ـ السورية وإطلاق حملة وطنية لإغاثة النازحين السوريين، لامتصاص غضب الناس المطالب بفتح الحدود.

حقوقيا وقع الأردن مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية للاجئين منذ عام 1998 تنص بنودها “وجوب احترام مبدأ عدم طرد أو رد أي لاجئ يطلب اللجوء للأردن بأي صورة إلى الحدود أو الإقليم حين تكون حياته أو حريته مهددتين”.

يدرك الأردن هذا الالتزام، ويضع مخاوفه على طاولة المجتمع الدولي ليسأل عما فعلوه وعن التزاماتهم التي تعهدوا بها للأردن ولم يفوا بها، مما ساهم في تفاقم أزمته الاقتصادية. والأهم لماذا لا تضع الدول الكبرى التي تسيطر على الأرض بسورية خطة لحماية النازحين على أراضيهم وتوفير مخيمات بأماكن آمنة، بدل التهجير القسري للسوريين خارج بلادهم مما يتيح تنفيذ الأجندة الإيرانية بتغيير ديموغرافي؟

والأخطر للأردن ماذا يضمن ألا يتسلل مئات أو ألوف من الإرهابيين من جيش خالد بن الوليد المرتبطة بـ”داعش” وغيره من التنظيمات المتشددة من بين اللاجئين إلى أراضيه؟

إذن، تطغى المخاوف السياسية والاقتصادية والأمنية على أجندة حقوق الإنسان في الأردن، ويزداد الأمر تعقيدا حين يرى أن دولا كبرى تعصف بمبادئ حقوق الإنسان، ولا تلتزم بها، ولا يسألها أحد، فلماذا الأردن وحده مطالب بالتمسك بحقوق الإنسان وخاصة حقوق اللاجئين؟!

ستشهد الأيام المقبلة تطورات في الملف السوري، فالجيش الإسرائيلي يعلن تعزيز قواته في الجولان، ويعيد التذكير بالأهمية البالغة لاتفاق فك الاشتباك بين دمشق وتل أبيب الذي وقع عام 1974، وعمان تأمل أن يصل الجميع لحل سياسي دون إراقة الدماء، ودفع مئات الألوف إلى حدودها، والأميركيون يتفاهمون مع الروس اللاعب الأقوى، ولا يعرف صورة الحل، ولكن أعتقد أن الجميع خاسر، وخاصة سورية وشعبها!

 

– للكاتب نضال منصور ..

مقالات ذات صلة