ذلك الإصلاح الضروري

مالك العثامنة

حرير- هناك حديث يتسرب – لا أحد يعرف مصدر التسريب- مفاده أن هناك نية تأجيل للانتخابات القادمة.

هذا تسريب له أضراره، والنية إن وجدت – وأشك بوجودها لدى دوائر صنع القرار- فهي مضرة بحق الدولة ومفهوم استقرارها.

التسريب – مجهول المصدر والنوايا- لا يغفل عن ربط نية التأجيل بما يحدث في غزة من ناحية توسع شعبوية التيار الإسلامي الذي يحاول أن يختطف مظلومية غزة ويحولها انتصارا “إسلاميا” له.

الدولة فكرة مؤسسية صلبة لا تخضع للأهواء ولا تحركها المزاجية ولا تثيرها العواطف، وحين قررت الدولة بكل عقلها السياسي وبحسم تاريخي مستحق أن تنظم عملية الإصلاح السياسي والإداري “والاقتصادي” فإن قرار الدولة كان له إرهاصاته التي بنت هذا القرار، وتبعه تداعيات منهجية مدروسة نتفق أو نختلف على تفاصيلها وحيثياتها لكنها في المحصلة حاصل جمع عقل الدولة بكل أطيافها ومؤسساتها ونخبها الموجودة.

هذا الإصلاح بات ملحا أكثر مع تزايد الأزمات، وتهلهل جدران الإسناد المؤسسية القديمة والتقليدية، والتي خلقت ثغرة للمزاجية والهوى في اتخاذ القرارات، مما يعني بالضرورة أن الإصلاح مستحق وواجب وأوله في إنفاذ القرار بالانتخابات التي تم التحضير لها بجهود عامين من التفكير والحوارات الوطنية الشاملة والجادة والجدلية لتنتهي بتعديلات دستورية حسمت الجدل والخلاف، وتشريعات قانونية للانتخاب والأحزاب تؤطر لطريق جديد على الدولة أن تخوضه بلا تردد، وبدون أي انكفاء للخلف.

الأزمات الإقليمية ليست خبرا جديدا في مسيرة الدولة الأردنية، والقضية الفلسطينية كانت دوما مجالا حيويا للدولة الأردنية بحكم الجغرافيا السياسية والتشابكات التاريخية المعقدة.

والحدث الضخم الأخير في غزة ما بعد أحداث السابع من (أكتوبر) لا يجب أن يكون مفاجئا للأردن، فقد كانت التحذيرات الأردنية الرسمية وعلى لسان الملك، رأس الدولة نفسه متكررة وفي كل مكان عن انفجار وشيك ضخم سيحدث ما دامت إسرائيل تعطل فكرة أي حل يعطي الفلسطينيين حقهم القانوني والشرعي في تقرير المصير، والتحذير من توسع النية الاحتلالية وجمود الوضع الراهن منذ سنوات كان دوما إنذارا بانفجار الوضع، إلى أن انفجر فعلا وبشكل غير مسبوق في قطاع غزة، والمسؤولية الحقيقية الجرمية تقع على المزاج السياسي المتطرف الذي يحكم إسرائيل “مجتمعا ودولة”، وآخر التحذيرات الجدية كانت على لسان الملك موجهة للعالم من على منبر الأمم المتحدة قبل ثلاثة أسابيع من أحداث السابع من (أكتوبر)، كانت الدولة ” وعقلها السياسي” متحضرين للكارثة الوشيكة ويحذرون العالم منها.

من هنا، فإن الدولة معنية أن تستكمل حساباتها بتحصينات ذاتية قائمة على الإصلاح السياسي والمؤسسي والإداري، لا مهتزة بتردد او توجس من أي نوع تفرضه حسابات شعبوية لا تملك برامج حقيقية لحكم الناس وإدارتهم.

فلتكن الانتخابات كما يجب أن تكون، ولتدشن تلك الانتخابات طريق الإصلاح الطويل الذي يجب أن يبدأ خطواته الأولى بلا تأخير له كلف فادحة من خلال ترحيلها إلى المستقبل.

نخفق في خياراتنا “الانتخابية” أو ننجح لا بأس، المهم أن نتعلم حضور الدولة بكامل أهليتها القانونية والمؤسسية وهذا يتطلب تمرينا تعبويا بالذخيرة السياسية الحية، لنتقدم.

مقالات ذات صلة