وكواحدة من رائدات فن التطريز الفلسطيني منذ أكثر من 30 عاما، اعتبرت ابتسام أن إدراج فن التطريز الفلسطيني وبشكل رسمي ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني العالمي لدى منظمة اليونسكو انتصار لفلسطين ولتراثها ولقضيتها بشكل عام.

وبمكان عملها كمعلمة في روضة “رياض الصالحين” بمدينة نابلس التقيناها فراحت تحدثنا وهي تلقي بشالها المزخرف فوق كتفيها وتحمل بيدها جزدانها “حقيبتها” المطرز باللون الأحمر القاني حول تجربتها ومواظبتها على التطريز كجزء أساسي في حياتها.

وبلهفة وشغف لهذا اللون التراثي، تقول ابتسام للجزيرة نت إنها -وخلال العام- أنجزت 3 قطع كبيرة بين ثوب وشال ومطرزات أخرى، وكلها ستضيفها لخزينتها من الأعمال السابقة التي تُجملُ بها منزلها أو ترتديها في المناسبات وخاصة الأعراس، وأخرى تنتفع بها ماديا وتسوقها محليا وعالميا.

تطريز وتوثيق

وفي مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين تنحدر ابتسام تشرف ومن خلال وجودها في المركز النسوي تشرف هناك على نسوة من المخيم يمتهنَّ التطريز ويتخذنه سبيلا للعيش، وهي بدورها تمدهن بخبرتها الواسعة وأدوات العمل وتساعدهن بتسويقه.

”

وفي المخيم أيضا تحيي قديم مطرزاته، فتجمع من المسنات أثوابهن القديمة وتستصلحها أو تأخذ منها قطعا، وتدخلها على أعمال جديدة لتخرج لوحات فنية جديدة تتمثل بمعلقات للمنزل أو مخدات أو إكسسوارات وحلي مختلفة.

وعملت ابتسام بوصية الجدة والأم فأهدت الثوب لإحدى بناتها وتوصي بإرثها من المطرزات لهن، لا سيما شالها الخاص الذي حاكته بـ “القطبة الفلاحية” ونقشته بأشهر وأجمل الموديلات المطرزة من تضاريس فلسطين (السرو والريش والوردة والسنبلة) وأشكال هندسية أضفت على العمل إبداعا وجمالا.

وبأسلوبها الجميل تعرف هذه السيدة الفلسطينية التطريز بأنه “فلسطين بجبالها وبحرها وبحيرتها وأغوارها وهضابها ووديانها تمتزج مع بعضها فتعطي شيئا جميلا اسمه تطريز”.

وترى أن تسجيل فن التطريز الفلسطيني عالميا “يعطي لإرثنا وتراثنا قيمة دولية ويمنع تداوله أو سرقته عبر أي شعب بالعالم، حتى الاحتلال الإسرائيلي الذي سلب من الفلسطينيين كل شيء” ودعت لحفظ التراث بكل أشكاله من طعام ولباس “باتخاذ يوم من كل أسبوع أو شهر تخليدا له”.

وفن التطريز الممتد للحقبة الكنعانية اتخذته المرأة الفلسطينية لتجمِّل لباسها بحياكة النقشات المختلفة فوقها، وتميزت كل مدينة فلسطينية بعروقها من الأشكال الهندسية والنبات والأشجار والأزهار والطيور، وألوانها الزاهية والغامقة، وبخيوطها بين الحرير والقطن والمقصب والماكينة.

ذاكرة حية

توثيق هذا الإرث القديم عالميا، يرى فيه وزير الثقافة الفلسطينية عاطف أبو سيف “انتصارا للرواية الفلسطينية القائمة على حق شعبنا بأرضه، وسبيلا لمهمة أكبر لصون وحماية التراث الفلسطيني وتمريره للأجيال القادمة”.

ويقول أبو سيف -في تصريح له تلقت الجزيرة نت نسخة منه- إنهم عملوا على تسجيل فن التطريز خلال عامين بدعم سدنة التراث الفلسطيني بالداخل والخارج عبر إرفاق كل الوثائق التي تدلل على فلسطينيته منذ آلاف السنين.

وبهذا التسجيل العالمي، سيواجه الفلسطينيون -حسب أبو سيف- سياسة سرقة التراث والتاريخ والهوية الفلسطينية الذي تستبيحه إسرائيل، ويقول “التراث هو الخزّان الحي لذاكرة شعبنا على هذه الأرض، والحفاظ عليه أمر لا بدّ منه لضرورة مواجهة احتلال يسخر كل إمكاناته لمحوه وسرقته”.

وطالب أبو سيف المنظمات الدولية بالوقوف أمام مسؤولياتها في احترام القرارات الدولية وعدم التعاطي مع بطش الاحتلال ومحاولاته سرقة التراث الفلسطيني، مؤكدا أن قرار اليونسكو الجديد سيضع الجميع أمام مسؤوليته القانونية.

وتعمل إسرائيل بكل قوتها على توثيق التراث الفلسطيني وأدواته المختلفة من طعام وشراب وأزياء على أنه تقليد إسرائيلي، وكان آخر محاولاتها ظهور ملكات جمال العالم في إسرائيل بالثوب التقليدي الفلسطيني.

وكانت آخر مساعي الاحتلال لتزوير التراث الفلسطيني ما روَّج له عبر عارضات أزياء عالميات ارتدين الزي الفلسطيني قبل نحو 3 أسابيع على أنه تراث إسرائيلي.

وتقول بثينة حمدان من وزارة الثقافة، للجزيرة نت، التي احتفلت اليوم والعاملات بالوزارة بارتدائهن الزي الفلسطيني المطرز، أن قرار اليونسكو تأكيد على فلسطينية التطريز.

كما أنه ليس “رد فعل” على إجراء الاحتلال الأخير مع العارضات، وإنما حصاد عامين من جهد الفلسطينيين لتوثيق التطريز كأحد أعمدة تراثهم.

ويحتفي الفلسطينيون بمختلف مناسباتهم القومية والدينية بالزي الفلسطيني المطرز دعما لتراثهم، وتلتزم المؤسسات الحكومية لا سيما المدارس وخاصة الإناث بيوم يرتدين فيه أثوابهن التقليدية المطرزة.

البس زِيك

وبينما احتفت ابتسام على طريقتها بالتطريز الفلسطيني في روضتها، كانت غادة عبد الهادي مديرة مركز حواء للثقافة والفنون بنابلس تستعد لإحياء يوم “الزي الفلسطيني” تحت شعار “البس زِيك مين زَيك”.

ونشرت عبر صفحتها على فيسبوك بيانا قالت إنه صادر عن 30 مؤسسة شعبية ورسمية فلسطينية للرد على “العدوان الاحتلالي” على تراث الفلسطينيين وتزييف الحقيقة بإلباس المشاركات بمسابقة “ملكة جمال الكون” بإسرائيل الثوب الفلسطيني، وإشراكهن في إعداد ورق العنب والكبة وغيرها على أنها تراث لها.

ودعت مديرة مركز حواء للثقافة والفنون الفلسطينيين بكل مكان لارتداء زيهم الشعبي، ونشر ذلك عبر مواقع التواصل، وتفعيل ذلك بحملة كرتونية ووسوم خاصة، كما نظمت وقفة وسط رم الله بالضفة الغربية، الخميس، رفضا لسرقة الاحتلال للتراث الفلسطيني.

وكان رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطينية قد اعتبر -في تصريح صحفي له- أن تسجيل التطريز الفلسطيني عالميا تأكيد على تأصل الشعب الفلسطيني بأرضه “وهو رمز من رموز الهوية الوطنية الفلسطينية وهو ما تحاول إسرائيل سرقته”.

على موقع اليونسكو

ونشرموقع اليونسكو الرسمي مقطع فيديو وصوراً توثق فن التطريز الفلسطيني واختلاف أشكاله وأنماطه على مر الأزمنة، والتعريف به بشكل موسع، بالممارسات، والمهارات، والمعارف، والطقوس، كأحد العناصر الوطنية الفلسطينية على لائحة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو“. كما حظي القرار بترحيب واسع على مواقع التواصل.

– الجزيرة