عن القمّة العربية وإعلان الجزائر

سمير حمدي

حرير- تضمّن البيان الختامي للقمّة العربية التي انعقدت في الجزائر جملة من المواقف التي تعبّر عن التطلعات العربية بخصوص المرحلة المقبلة، وكان واضحا أن هناك رغبة ملحّة في أن يكون للمنظومة العربية دور في صناعة القرار الدولي بقدر الإمكان، حيث شدّد البيان على ضرورة “مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة لعالم ما بعد وباء كورونا والحرب في أوكرانيا”. وهو موقف يكشف عن وعي بأهمية التحولات الجارية في المنطقة والعالم، الأمر الذي يقتضي مقاربة جديدة في العلاقات الدولية، إذا أرادت الدول العربية أن يكون لها موقع مؤثر، وأن تتجاوز موقع الهامش أو التابع، لتصبح شريكا ضمن حالة تنازع النفوذ بين الدول الكبرى والفضاءات السياسية الاقتصادية المؤثرة.

الأكيد أن الدول العربية ترغب في تحسين مواقعها ضمن المعادلات الدولية، وأن تفرض نفسها، على الأقل في إطار محيطها الإقليمي في ظل مشكلات كبرى تواجهها هذه الدول، إما بشكل منفرد أو بالاشتراك مع أشقائها العرب. وكان واضحا أن كل دولة حضرت القمة كانت ترغب في الحصول على دعم عربي في ما يخصّ أزماتها الداخلية أو الخارجية، فدولتا نهر النيل، مصر والسودان، كانت تشغلها أساسا قضية السد الأثيوبي وأزمة المياه، في المقابل حرصت السعودية وحلفاؤها في دول الخليج بالإضافة إلى المغرب ومصر على إدانة التدخل الإيراني في المنطقة، وهو ما أشير إليه في البيان الختامي، لكن من دون ذكر أي دولة بالاسم. أما الحضور الليبي الذي كان ممثلا بحكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة فقد استطاع أن يفرض اعترافا عربيا بشرعية الحكومة القائمة في طرابلس، على الرغم من سعي حثيث أظهره الجانب المصري من اجل اعتبار حكومة الدبيبة منتهية الولاية، والدفع نحو الاعتراف بحكومة فتحي باشاغا، وهو ما لم يحصل باعتبار الموقف الجزائري القوي الداعم للحكومة الحالية في طرابلس، وهذا الاعتراف العربي بتمثيلية حكومة الوحدة الوطنية سيعزّز من موقف حكومة الوحدة، في مواجهة أي سيناريوهاتٍ جديدة، بما فيها إمكانية اتفاق مجلسي النواب والدولة بتشكيل حكومة ثالثة، والتفاهم على تقسيم المناصب السيادية، وهو ما رفضه الدبيبة رسميا.

ككل القمم العربية، كان موقف الدولة المضيفة هو الأكثر تأثيرا على الأقل في جملة من القضايا التي لم تحظ بأهمية في القمم السابقة (البيان الختامي لقمّة تونس السابقة على سبيل المثال)، فللمرة الأولى تدعو القمة العربية رسميا إلى رفع الحصار عن قطاع غزةن رغم انه مفروض منذ سنة 2006 بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتشكيلها الحكومة في ذلك الحين. ويُحسب للدولة المضيفة أيضا تبنّي القمّة قرار مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاعتراف ب “فلسطين دولة مستقلة”، وهو مقترح قدّمه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون. ويمكن اعتباره امتدادا للجهد الذي بذلته الجزائر في تنظيم “مؤتمر لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية” الذي انعقد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

رغم أن من الصعب الحديث عن تشكّل مواقف عربية موحّدة قد تجد سبيلها إلى التنفيذ، باعتبار أن المواطن العربي قد اعتاد على البيانات الختامية للقمم العربية التي تتضمّن قرارات حالمة، أو دعوات إلى التنسيق العربي وتحقيق طموحات شعبية انتظرها العرب منذ عقود. لكن الجميع يعلم أن ما يصدُر عن هذه القمم يظل حبيس الورق، ولا يتجاوز التعبيرات الخطابية والكلمات الإنشائية المؤثّرة، وأن الأنظمة العربية ستستمر، في كل الأحوال، في مسارها المعتاد الذي تحتل فيه الصراعات البينية في المنطقة العربية الأولوية قبل البحث عن التنسيق لحل المشكلات والأزمات المتصاعدة التي تعاني منها كل دولة عربية على حدة، سواء في الداخل أو في علاقتها بجيرانها.

ورغم أن البيان لمّح إلى اختلال موازين العلاقات في العالم وحالة التنازع بين القوى الكبرى ورفض الانحياز إلى أي طرف، بل والرغبة في أن يكون للدول العربية مقعد دائم في مجلس الأمن، خصوصا وأنها ترى أن هناك حاجة ملحّة لمعالجة “الاختلالات الهيكلية في آليات الحوكمة العالمية”، تضمّن المساواة بين جميع الدول وتضع حدّا لتهميش الدول النامية غير أن حالة التنازع العربي في الواقع والتحالفات التي تنسجها كل دولة على حدة يجعل من الصعب تحقّق مثل هذا المطلب الذي يفترض قرارا عربيا موحّدا في الاقتصاد وفي السياسة، وهو أمر بعيد المنال على الأقل في الوقت الراهن. ويظل استمرار انعقاد القمم العربية تعبيرا عن وجود كيان عربي يجمع شتات أمة العرب، على الأقل من الناحية الشكلية، على أمل أن تأتي اللحظة التي تتحقق فيها وحدة فعلية تفرضها الشعوب، ولا تختلف فيها الأنظمة.

مقالات ذات صلة