لا مساعدات سعودية للبنان.. بميقاتي أو “غير ميقاتي”

كتب سليمان النمر... كاتب متخصص في الشؤون الخليجية

يمكن الاشارة الى ملاحظتين بديهيتين للإستنتاج ان السعودية لن تقدم اي مساعدات مالية او اقتصادية للبنان بعد تشكيل حكومته الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي.

ما هما؟ أولى الملاحظات أن البيان الصادر عن الإجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء السعودي يوم الثلاثاء الماضي (14 ايلول/سبتمبر) لم يشر إلى تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة لا بالترحيب بها ولا حتى بالتمني عليها ان تجري اصلاحات اقتصادية ومالية تؤدي إلى انقاذ الوضع في لبنان وصولاً إلى اعادته الى محيطه العربي. ومن يراجع الأرشيف الرسمي السعودي يستنتج أن السعودية لطالما إعتادت ان تطالب أي حكومة لبنانية جديدة على القيام بذلك.

وجرت العادة سعوديا ان تحدد المملكة مواقفها السياسية تجاه تطورات الاوضاع في الدول العربية والعالم بالبيان الرسمي الذي يصدر عن الاجتماع الاسبوعي الذي يعقده مجلس الوزراء كل ثلاثاء برئاسة رئيسه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز نفسه (اذا لم يُعبّر عن اي موقف بتصريح لمصدر رسمي مسؤول او تصريح لوزير الخارجية)، وهذا الاسبوع تعددت التصريحات الصحفية لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ولم يكن بينها اي تصريح بشأن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة ميقاتي. ثاني الملاحظات ان الاعلان عن الحكومة اللبنانية الجديدة تزامن مع حملة في الشارع السعودي تفاعلت معها بعض وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تطالب بمقاطعة لبنان “والاستغناء عن العاملين اللبنانيين في السعودية”، أما السبب فهو “ان لبنان اصبح مصدرا كبيرا لتهريب المخدرات الى المملكة”!

ولا شك ان مثل هذه الحملة لا يمكن ان تنطلق من دون ضوء اخضر من السلطات السعودية المعنية. المملكة العربية السعودية في ظل عهدها الجديد – وبعيداً عن المجاملات الديبلوماسية – “رفعت يدها عن لبنان ولم تعد معنية بأموره ومشاكله” ثمة إعتقاد راسخ أن الموقف السعودي المتجاهل للحكومة اللبنانية الجديدة سيترجم بعدم تقديم اي عون سعودي للبنان، ليس فقط بسبب التحفظ على شخصية رئيس الحكومة الذي يأخذ عليه سعوديون انه “يحظى بتأييد ودعم حزب الله”، بل لأن المملكة في ظل عهدها الجديد – وبعيداً عن المجاملات الديبلوماسية – “رفعت يدها عن لبنان ولم تعد معنية بأموره ومشاكله”. وهناك يقين سعودي ان لبنان في ظل عهد الرئيس الحالي ميشال عون، سواء تشكلت حكومة فيه برئاسة ميقاتي او غير ميقاتي.. او حتى لم تتشكل، “أصبح تحت سيطرة وهيمنة حزب الله الذي يقدم الدعم والخبراء العسكريين والصواريخ والاسلحة للانقلابيين الحوثيين في اليمن، ويدعم تحديداً هجماتهم ضد الأراضي السعودية”.

ولا شك ان قرار السعودية منذ سنوات برفع يدها عن لبنان وعن حلفائها التقليديين فيه (لا سيما الحلفاء السنة وفي طليعتهم سعد الحريري) أفسح  المجال لكي يصبح لبنان ساحة اعلامية – على الاقل – لإيران.  ولم يتخلَ العهد السعودي الجديد فقط عن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري (بسبب اخطائه السياسية وأيضاً لأسباب شخصية بحتة) بل تخلى عن نادي رؤساء الحكومات اللبنانية وقيادات وأحزاب أخرى، واصبح حليفه الرئيسي والاول في لبنان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إلى حد أن الرياض باتت تراهن على فوز حزبه بالاغلبية المسيحية وخرق بيئات أخرى في الانتخابات البرلمانية المقررة في العام 2022.

الآن حان دور دولة قطر لكي تحاول لعب الدور الإقليمي نفسه الذي كانت تلعبه السعودية بدعم ومساندة من ادارة بايدن واذا كانت السعودية حاسمة بقرار عدم تقديم المساعدات للحكومة اللبنانية الجديدة، ليس امام ميقاتي ولبنان سوى اللجوء إلى دولتي قطر والكويت لكي تساعدا لبنان، فهما الدولتان الخليجيتان اللتان رحبتا بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وهما القادرتان على المساعدة، اذا صح القول بوجود قرار دولي وتحديداً اميركي (وفرنسي) بمساعدة لبنان، علماً أن التغيير الذي حصل في الكويت بتولي نواف الأحمد الجابر الصباح قيادة هذه الدولة بعد رحيل الشيخ صباح الأحمد قبل سنة، ترك بصمة كبيرة على ذهنية تعامل الكويتيين مع لبنان، إذ أن الأمير الراحل كان يتعامل تاريخياً بخصوصية معينة مع لبنان منذ أن كان وزيراً للخارجية، بينما تختلف نظرة الجيل السياسي الكويتي الجديد للبنان. ويرى مراقبون ديبلوماسيون في الرياض ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان همه الاول والأخير منذ شهور طويلة “وحتى هذه اللحظة” هو وقف حرب الاستنزاف المستمرة في اليمن منذ اكثر من ست سنوات والتي تم توريط المملكة فيها “من قبل اطراف يمنية واقليمية ودولية”.

لذا لم تعد المملكة معنية بأي قضايا او مشاكل عربية اخرى سواء منها لبنان او غير لبنان، والدليل على ذلك ان السعودية التي تعودت في العهود السابقة ان تقود مساعي حل الأزمات العربية من المحيط إلى الخليج وتقدم المساعدات الاقتصادية والمالية وحتى العسكرية للعديد من الدول العربية توقفت عن ذلك الامر، ما أدى الى انكماش دورها العربي والاقليمي.

وقد حاولت دولة الامارات لعب هذا الدور – لا سيما خلال حقبة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب – ولكنها لم تنجح سوى بإشعال حروب عربية ـ  عربية وزيادة مشاكل العرب، والآن حان دور دولة قطر لكي تحاول لعب الدور الإقليمي نفسه بدعم ومساندة من ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن.. إقرأ على موقع 180  لا مبرر لتأجيل الإنتخابات الفرعية.. والبرلمان اللبناني غير مكتمل دستورياً ثمة ملاحظة أخيرة أن مجلس الوزراء السعودي دعا كعادته في بيانه الأخير إلى التصدي لأي تدخلات إيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهي النقطة التي ركز عليها عدد من كُتاب المقالات السعوديين غداة تشكيل حكومة ميقاتي، إذ أنهم إعتبروا أن أي نقاش في الواقع اللبناني يجب أن يبدأ من عند نقطة مركزية وهي “إنقاذ لبنان من براثن حزب الله وإيران”!

– موقع 180

مقالات ذات صلة