حقك تِعرف.. لكن؟

اِنشَغَل الرأي العام على مواقعِ التواصل الاجتماعيّ بِمُساهمة وزير الصناعة والتجارة الدكتور طارق الحموري بنسبة ضئيلة في رأسمال شركة «مدفوعاتكم»، وتَطَور الحِوار  إلى اِتهامه بِاستغلال الوظيفة وغير ذلك من تُهم كُلّها تَندرج تحت مظلة الفساد حسب رأي المُتحاورين، علماً أن الوزير المَعني وضّح للرأي العام وبكل هدوء حقيقة مُلكيته للأسهم قبل دخوله في الوزارة، وأنها لا تتعارض مع أحكام القانون، وتم الإفصاح عنها في إشهار الذمة، إلا أن المتحاورين على الفيسبوك يبحثون عن فريسة للهجوم عليها ضمن الأجواء العامة السلبيّة التي تُسيطر على عقول الغالبيّة العُظمى في المجتمع وفي الوقت الراهن.

لا أعني من هذا المقال الدِفاع عن الوزير أو توضيح أصل مُلكيته للأسهم، فقد قام هو بتوضيحها بشكل كامل وقانونيّ وهو المُحامي الناجح والمختص في قضايا الشركات قبل انضمامه للوزارة.
ما أود التأكيد عليه انه ليس مُعيبا على وزير تم استقدامه من القطاع الخاص أن يكون لديه اسهُما في شركات أو مُلكيّات عقاريّة أو رصيدا في البنك، فهو أصلاً يعمل في القطاع، وهو ناجح في عمله وعلى هذا الأساس تم استقدامه للوزارة للاستفادة من تجربته في مجال عَمله واختصاصه.
وهذا أيضا لا يعني أن كُلّ وزير من القطاع الخاص ناجح في عمله الرسميّ أو فاشل، فالأمر في التقييم بهذا الشأن له أصوله على أرض الواقع ومنجزات تتحدث بها الوزارة أو إخفاقات يلتمسها المواطن، فالأمر خاضع للتقييم بالنسبة للنجاح والفشل، وليس خاضعا لِما يَملكه من أصول أو أموال.
طريقة الحَملة الشرسة من قبل مُتعاطي السوشيال ميديا لغرض التشويش -وهم كثر – هدفها ليس الطعن بوزير معين، إنما الغرض الأساسيّ منها هو تحويل أنظار الرأي العام عن حقيقة قضايا الفساد في المجتمع نحو قضايا شكليّة لإلهاء الشّارع عن الحقيقة التي يحاول البعض الوصول إليها، لأنه من يقوم بترويج هذا الأمر على السوشيال ميديا ويتم تداوله عبر الواتساب بين فئات مُختلفة من الشّارع هم من عليهم خطوط حمراء حول ملكياتهم وثرائهم وأنشطتهم الغريبة في عالم الأعمال والمال، عِلما أن غالبيتهم هم موظفي القطاع العام وليس مَحسوبين من عائلات الثراء التاريخيّة في المملكة التي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين.
نفهم جيداً أن رجال أعمال ومستثمرين قضوا حياتهم بالعمل في القطاع الخاص ويسكنون في دابوق وغيرها من المناطق الراقيّة في العاصمة عمّان ذات الأسعار المُرتفعة جداً التي لا يقوى عليها إلا أصحاب القُدرة الماليّة الممتلئة، لكن أن تُشاهد غالبية سكان تلك المناطق من موظفيّ القطاع العام الذين مهما تدرجوا في مناصب الدولة وقطاعاتها ومستوياتها، ولو حسبنا جميع ما تقاضوه وادخروه لن يمكنهم من شراء مئة متر بالحد الأعلى في تلك المناطق، هؤلاء لا يسألون عن شيء ولا  أحد يُحاسبهم، لا سلوكيات الدولة المُتراكمة على مدى السنوات الماضيّة منحت العاملين في القطاع العام الحصانة من المساءلة والتقييم والمحاسبة، لذلك لا تتفاجأ أخي المواطن اذا وجدت موظفا مُتقاعدا أو عاملا  يقطن فيلا في تلك المناطق، أما أن يسكنها رجل أعمال أو محامي ناجح أو مستثمر فلا مانع من المشاغبة عليهم، نعم هذا للأسف ما يحدث في مجتمعنا.
قانون من أين لك هذا سيبقى على حالته الجامدة مهما توسعت الحكومة والنوّاب في شمول الأشخاص فيه طالما بقي هناك غياب للمساءلة الحقيقيّة عن الثراء الفاحش لموظفي القطاع العام، فلم نسمع منذ إقرار القانون وإشهار وحدة خاصة به في وزارة العدل لإشهار الذمة عن أيّة حالات تحقيقيّة بهذا الشأن، وكُلّ ما في الأمر هو رصد كتابيّ لما بحوزة المسؤول دون أن تواصل أجهزة الحكومة المختلفة تطور الوضع الماليّ لذلك المسؤول أو الموظف.
المشهد العام بات مُقلقا للغاية، فالكُلّ في حالة تذمر واستياء وشك، وهناك غياب كامل لأصل الحقيقة من حيث تتبعها وكشفها، وهناك قوى فاعلة في المجتمع توظف الشائعات وتنشرها من باب المشاغبات على الحكومة من جهة، وتوجيه الرأي العام أن حقيقة فسادهم، حتى يستطيعوا مُواصلة أعمالهم غير المشروعة بعيداً عن أعين الرقابة والمساءلة مع كل أسف.

مقالات ذات صلة