فتور العلاقات الأردنية ـ السعودية.. ماذا بعد؟ سليمان نمر

على غير العادة، يزور ملك الأردن عبد الله الثاني الولايات المتحدة ويلتقي الرئيس الاميركي جو بايدن ويعود إلى بلاده من دون المرور على الرياض ـ كما جرت العادة – ليستمع لما تريده السعودية من واشنطن او ليعرض نتائج محادثاته مع المسؤولين الاميركيين. لعل ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان كان هذه المرة بحاجة فعلاً لمرور الملك عبدالله الثاني على الرياض قبل سفره الى واشنطن حيث للعاهل الاردني علاقات صداقة مع جو بايدن تمتد لنحو ثلاثين عاما، وهذا يؤهله لأن يكون وسيطاً او جسراً لتحسين العلاقات الفاترة بين بن سلمان وبايدن الذي لم يتصل بالاول منذ دخوله البيت الابيض قبل نحو سبعة شهور.

صحيح ان للسعودية علاقات استراتيجية وتاريخية مع الولايات المتحدة وتربط بينهما مصالح مشتركة تجعل من الصعب على ساكن البيت الابيض أن يفكر بالتخلي عن السعودية ـ وعلى هذا تراهن الرياض ـ لكن محمد بن سلمان أيضاً بحاجة الى علاقة شخصية مع الرئيس الاميركي الجديد ـ على غرار علاقة الصداقة التي كانت تربطه بالرئيس السابق دونالد ترامب ـ تحميه شخصياً من اي مخاطر آنية أو مستقبلية.

ورُبّ قائلٍ أن قطر كان من الممكن ان تكون وسيطاً بين ولي العهد السعودي والرئيس الاميركي الجديد، ولكن “المكيافيلية” القطرية تريد للدوحة أن تستأثر بعلاقات الود مع الادارة الاميركية الجديدة واركانها في البيت الابيض وفي الحزب الديموقراطي الحاكم وهؤلاء يعلمون ان قطر لم تكن على علاقة ود مع الخصم الجمهوري دونالد ترامب خلال ولايته الرئاسية.

ولوحظ ان بايدن واركان ادارته أولوا إهتماماً إستثنائياً للقاءات العاهل الاردني  في واشنطن، حيث لم يبق مسؤوول اميركي سياسي او عسكري رفيع المستوى الا واجتمع بالملك، وهذا يؤكد عودة العلاقات الاردنية ـ الاميركية الى طبيعتها الاستراتيجية، بعدما كانت قد شهدت تراجعاً كبيراً خلال حقبة ترامب وتحديداً غداة “صفقة القرن”.

من مظاهر الفتور في العلاقات الاردنية ـ السعودية عودة الدعوات الاعلامية في الأردن الى فتح ابواب حج الإيرانيين الى منطقة مؤتة حيث ضريح الصحابي جعفر بن ابي طالب وزيد بن حارثه وعبد الله بن رواحه وهذه الاضرحة لها مكانة دينية مقدسة عند شيعة إيران ولا شك ان الهدف الاردني من الزيارة الملكية للولايات المتحدة – الاولى في حقبة بايدن، والاولى التي يستقبل فيها الاخير رئيس دولة عربية – هو الحصول على اكبر قدر من المساعدات المالية الاميركية التي من الممكن ان تُدعّم الاقتصاد الاردني المتدهور بسبب جائحة كورونا وتعوّض وقف السعودية مساعداتها الاقتصادية والمالية المعهودة للاردن منذ سنوات.

هذا كله يشير الى ان العلاقات الاردنية ـ السعودية فاترة جداً وغير طبيعية (راجع مقالة الكاتب في شهر نيسان/ابريل الماضي اثناء الأزمة الاردنية الأخيرة)، وبالتالي لم يتردد مسؤولون اردنيون في القول إن علاقة بلادهم بالرياض “ليست على طبيعتها المعهودة”، بعدما كانوا ينفون ذلك أو يكتمونه أو “يبلعون الموس” على حد تعبير أحدهم.

وبرغم سعي العاهل الاردني، منذ ان سيطر محمد بن سلمان على مقاليد السلطة في المملكة بعد توليه ولاية العهد، لمواصلة تقاربه مع الرياض وقرر أن يتخذ مواقف لمصلحة ولي العهد السعودي في مواجهة قضايا مثل قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، وفي النزاع مع قطر، الا انه كان يستشعر أن بن سلمان لا يرغب في ان تكون له علاقات ود وصداقة معه.

وقد تزايد الابتعاد السعودي عن الاردن في السنوات الثلاث الأخيرة ولم يعد الاردن يتلقى – كما يقولون في عمان – المساعدات المالية والاقتصادية المعهودة، وكذلك تزايد “عدم الود” من جانب ولي العهد السعودي تجاه الملك الأردني، والسبب الاهم وراء ذلك هو قيام جاريد كوشنر صهر الرئيس الاميركي السابق ترامب وصديق محمد بن سلمان بالعمل على تأليب الرياض ضد عبدالله الثاني، لا سيما بعد ان رفض الاردن “صفقة القرن”.

ولم يعد يخفي أهل الحكم في عمان ان لبعض الجهات في السعودية علاقة في ما يسمى في الأردن “مشروع الفتنة” الذي يقولون إنه تم توريط الامير حمزة بن الحسين به والذي هو في حقيقته ـ برأي مراقبين سياسيين أردنيين ـ تحريض للأمير حمزة على التمرد على أخيه الملك.

لذا يرى مراقبون ان انجرار ولي العهد السعودي وراء نصائح صديقه جاريد كوشنر افقده الاردن وملكها الحليف التاريخي للسعودية وجعل العلاقات الاردنية ـ السعودية ليست على ما يرام، برغم ما يظهره السفير السعودي في عمان من ود للأردن وشعبه!

ومن مظاهر الفتور في العلاقات الاردنية ـ السعودية عودة الدعوات الاعلامية في الأردن الى فتح ابواب حج الإيرانيين الى منطقة مؤتة حيث ضريح الصحابي جعفر بن ابي طالب وزيد بن حارثه وعبد الله بن رواحه وهذه الاضرحة لها مكانة دينية مقدسة عند شيعة إيران، وهذا يعني تطبيع العلاقات مع طهران الخصم الرئيسي للرياض.

في الخلاصة، العلاقة بين المملكتين ليست بخير، ولكن لا أحد في البلدين يراهن على ان تبقى كما هي عليه حالياً، والدليل ان البلدين لا يتحدثان علناً عن خلافاتهما.. والأهم أن مصالحهما تفرض عليهما مداراة بعضهما البعض وصولاً إلى عودة الأمور إلى طبيعتها.

مقالات ذات صلة