الرزاز: « فليسعد النطق إن لم تسعد الحال»

بماذا تفكر حكومة الرزاز؟ الاجابة حاضرة في الصورة التي يتعمّد الرئيس تقديمها للجمهور من خلال جولاته الميدانية ولقاءاته وحواراته ورسائله التي يبعثها على وسائل التواصل الاجتماعي (تويتر تحديدا)، وهي تصب في اتجاه واحد: الانصات لمطالب الناس ومحاولة تحسين شروط حياتهم على قاعدة الاستطاعة او بالتمثل لمنطق المتنبي « فليسعد النطق ان لم تسعد الحال».

 هل يقبل الاردنيون « وجبة» حكومة الرزاز التي يريد ان تبدأ بمقبلات تنعش المعنويات وتفتح الشهية لا ابتلاع الظروف « المرة» والواقع الصعب، على امل ان نصل الى تناول «الصحن» الرئيسي المتعلق بالسياسة واصلاحاتها ومشروعها واستحفافاتها ايضا؟
اذا كانت الاجابة : نعم ربما يقبلون، لكن ماذا لو تأكد ان هذه « السياسة» ما زالت خارج «منيو المائدة « وان كل ما تستطيع الحكومة ان تقدمه (حتى الان) سينصب في نقطة الخدمات وتحسين شروط الحياة اللائقة (الكريمة ان شئت) ؟ ليس لدي هنا اي اجابة، لكن لدي سؤال هو : لماذا تعطل مشروع الاصلاح السياسي وتوقفت حركة عجلته على اجندة الحكومات منذ سنوات، ثم لماذا اقتنع الرزاز بهذه الوصفة المنزوعة من الدسم السياسي؟
لا اريد بالطبع ان اسجل اعتراضي على اصرار «البعض» اخراج الاردنيين من «مولد « الاصلاح بلا حمص ولا حتى» كف عدس»، ولكنني استأذن بالاشارة الى عدة اسباب اعتقد انها، او جزء منها، تقف وراء تأجيل او تعطيل ملف الاصلاح السياسي او عدم وضعه على «اجندة» الاولويات سواء بالنسبة للطرف الرسمي او حتى الشعبي.
السبب الاول هو «التركة» الثقيلة من الاخطاء والتجارب الفاشلة التي تراكمت على مدى السنوات الماضية،لدرجة اننا وجدنا انفسنا امام جدران عالية ومحصنة يصعب على اي حكومة اختراقها، لا على صعيد ملفات الفساد والعبث والاخلال بالمسؤولية التي تورط فيها بعض من كبار المسؤولين وانما ايضا لوجود مؤسسات وشبكات وتحالفات تعمل ضد اي تغيير او اصلاح بشكل منظم وتحاول بقوة ان يبقى الواقع كما هو، والاخطر من ذلك ان هذا «التحالف» تغلغل داخل مؤسسات البلد، وما زال يحظى برعاية دائمة وبالتالي يصعب الوصول الى رؤوسه او جذوره العميقة.
السبب الثاني ان مجتمعنا لم يحسم امره بعد للمطالبة بالتغيير واستعجاله، وحتى لو حدث ذلك فما زالت الرغبات في دائرة «القلب» واحيانا اللسان، فيما الجوارح ما زالت معطلة، اما لماذا؟ فثمة من يراهن على الوعود التي انطلقت وثمة من يتخوف من تكاليف القادم المجهول وحساباته وثمة من اختار ان يصمت او ينتظر او حتى يتواطأ لتمرير اللحظة بأقل ما يمكن من خسائر وفقا لجردة مصالح واعتبارات تختلف من طرف لآخر.
اذا اضفت لذلك حالة الضعف والتصحر السياسي والفكري التي يعاني منها مجتمعنا على صعيد بنيته الاجتماعية ومؤسساته الحزبية والمدنية التي ما تزال تلهث خلف الشارع وتعجز عن قيادته، ثم سطوة التدخلات التي تدفعه في الاتجاه المعاكس، ستجد ان الدافعية السياسية و الاجتماعية لم تنضج بالدرجة الكافية للضغط على المسؤول لكي يتحرك نحو الانتقال الى الاصلاح بالشكل المطلوب.
ثمة سبب ثالث وهو يتعلق بمخاوف ما زالت عالقة داخل قوى في النظام السياسي من تغيير قواعد ومعادلات اللعبة السياسية، ومن ردود افعال «اللاعبين « التقليديين الذين ترتبط مصالحهم بالمرحلة الماضية، ومن اشارات ومحاذير تتبنى وصفات محددة للاصلاح، وثمة ايضا شعور بالعجز من امكانية التحرك الى الامام او اختراق الواقع الذي تراكمت فيه الاخطاء،الامر الذي ولّد تراجعا في الارادة السياسية ودفع اصحاب القرار الى التباطؤ في دفع استحقاقات المرحلة والاستجابة لمطالب الاصلاح السياسي.
هنالك ربما اسباب اخرى تتعلق بضغوطات خارجية او اقليمية، وهذه ربما تقنع البعض بان خصوصية الاردن لا تسمح له بالذهاب بعيدا في ملف الاصلاح، وتغريه بالصبر والتحمل انتظارا لمرحلة تكشف فيها غيوم اللحظة الصعبة ويعود فيه كل شيء الى طبيعته، وبالتالي لا مبرر من الاستعجال ما دام ان الامور تحت السيطرة. والنصيحة التي تقدم هنا في الغالب تتعلق باسترضاء القوى الشعبية المشتتة او احتوائها بما يلزم من وسائل.
لا مجال بالطبع لمناقشة هذه الاسباب، يكفي ان اقول بأن ما يتغلغل داخل مجتمعنا من احتقانات، وما اصاب عصب الناس من ارتجاجات وضغوطات بسبب انكشاف «المستور» السياسي، وتردي الوضع الاقتصادي،يفترض، لا بل يجب، ان يدفعنا الى اعادة النظر من جديد في كل هذه الاسباب والمخارج والرهانات.

مقالات ذات صلة