2022 العرب والقضية الفلسطينية

كمال عبد اللطيف

حرير- وَدَّعنا منذ أيام سنة 2022، وتريد هذه المقالة التذكير بوقائع وأحداث نتصوَّر أنها ستساهم، بصورة أو بأخرى، في حصول تحولات في الوعي السياسي العربي. وإذا كانت الوقائع التي يُراكمها الزمن خلال تعاقُب سنواته تبدو، في مظهرها العام، مجرّد أحداث عابرة، إلا أن بعضا منها تكون له نتائج صانعة لجوانب من خياراتنا ومواقفنا في السياسة وفي الثقافة..

يحصل في التاريخ هنا وهناك بروز أحداث نقبلها وأخرى تُفْرَض علينا فرضاً، ولا يكون بإمكاننا وقت حصولها إنجاز ردود الفعل المكافئة لقوتها. كما يحدُث أن تحصل أحداث أخرى لا نقبلها، فنُعَبِّر عن مواقف رافضة لها، بحكم أننا نعرف أنها عندما تتّخذ أشكالاً معينة في واقعنا، تصبح بمثابة عنصر قادر على المساهمة في تغيير جوانب من نمط حياتنا، ورسم خياراتٍ كنا، إلى عهد قريب، نرفضها، ونتظاهر في الميادين والساحات العمومية من أجل إعلان مواقف مُعَبِّرة عن رفضنا لها. إلا أننا اليوم بفعل ومفعول ما صنعته أحداث معينة في واقعنا، أمام فعلٍ يملك القدرة على وَقْف مسارات في السياسة وإطلاق أخرى. ولتوضيح ما نحن بصدده، نتوقف أمام عناوين كبرى في أجندة السنة التي انصرمت، ذات صلة مباشرة بالحاضر والمستقبل العربيين، لنبرز جوانب من الأدوار التي تمارسها اليوم في حاضرنا.

تتمتع الأحداث التي سنتجه لإبرازها بمواصفات خاصة، تسمح لها بتركيب الأجنحة والمفاصل، التي تهبها المواصفات القادرة على المساهمة في تغيير جوانب هامة من تاريخنا. وقد اخترنا الاقتراب من حدثين اثنين يرتبطان بالراهن العربي، كما يرتبطان بالمشروع الوطني الفلسطيني، يتعلق الأمر بصور التصلب التي تملأ المشهد السياسي في بلدان عربية عديدة وبمآلات المشروع الوطني الفلسطيني، في ضوء التوسُّع الذي ترسمه خريطة التطبيع الجديدة، وما أصبح يترتب عنها اليوم من نتائج وآثار في البلدان العربية المطبّعة، والدول التي تنتظر دورها في عملية التطبيع، ما نفترض أن تكون له نتائج على مختلف مآلات القضية الفلسطينية.

لِنُعاين التحرّكات التي قامت بها كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين، وفرنسا وألمانيا وإيران وتركيا طوال سنة 2022، حيث عُقِدت مؤتمرات ولقاءات في موضوع ترتيب التحالفات الدولية أو بناء إطار إقليمي، من أجل مراجعة النظام الدولي. أما مؤتمر القمّة العربية، الذي عُقد في الجزائر في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإننا لا نعثر في الفقرات التي استوعبها محوره الثاني في موضوع الراهن العربي على الإجراءات الكفيلة بتخطي ومُغالبة التحدّيات التي يواجهها العرب اليوم، والمتمثلة في مختلف صور السقوط المتواصل..

لا نتردد في القول إن 2022 لم تعلن فقط فشل الانفجارات التي انطلقت سنة 2011، بل إنها أبرزت فشل الموجة الثانية من الانفجارات التي شملت لبنان والجزائر والسودان والعراق، وأصبح من الواضح في سياق الأحداث التي تعاقبت طوال أيام السنة المنصرمة، أن الوضع العربي مُهدَّدٌ بانقسامات جديدة، حيث لا تزال أحوال اليمن وليبيا وسورية وتونس ولبنان والسودان والعراق خاضعة لأشكال من الصراع السياسي، المرتبط بكثير من صور التوظيف والتأطير المرتبطين بدورهما بقِوَى عربية وإقليمية ودولية، وبتوسّط تنظيمات محلية لا ترى أي حرج في التلاعب بتاريخ شعوب مقهورة وجغرافيتها.. ما يدفعنا إلى التساؤل: أين اختفت المعارضات السورية؟ أين اختفت التنظيمات المدنية المطالبة بالتحديث والديمقراطية في اليمن؟ أين اختفى الحسّ الوطني والقومي في ليبيا؟ قد لا نجد أي صعوبةٍ في ربط جوانب من هذا الاختفاء بالأدوار التي كانت ولا تزال تمارسها بقايا الأنظمة السياسية المدعومة بالأمس واليوم من طرف قِوَى إقليمية أو دولية، إلا أن هذا التفسير لا يكفي وحده لمعرفة المآزق الكبرى التي تعاني منها المجتمعات العربية اليوم، سواء التي نجحت فيها الثورات العربية أو التي فشلت، ومن دون أن نغفل المجتمعات التي دَبَّرَت الثورات المضادّة ورعتها.

مقابل ذلك، نُعاين، في وقائع كثيرة حصلت سنة 2022، ارتفاع مؤشرات التطبيع مقابل الانخفاض الملحوظ في أسهم المساندة الفعلية للقضية الفلسطينية ومناطق الحكم الذاتي، وخارج ما جاء في إعلان القمة الجزائرية من حديث عن مركزية القضية الفلسطينية في الحاضر العربي! تَمَّ السكوت على الاختراق الصهيوني الحاصل في عدة بلدان عربية، بفعل معاهدات التطبيع الجديدة، وقد انتقلت، بسرعة كبيرة، إلى تنفيذ خُططها المتمثلة في ما سمّيت “صفقة القرن”، تمهيداً لمشروع “الشرق الأوسط الجديد”.. حيث تتواصل خيوط شبكة تعميم التطبيع، في وقت تثير فيه أوضاع الفلسطينيين أسئلة عديدة، تتعلق بالتجميد الحاصل في عمليات تنفيذ إجراءات الحكم الذاتي.

يعكس ما سمّي ملتقى النقب العربي الإسرائيلي الصورة المكبَّرة لخطة تسريع وتائر التطبيع. فقد اجتمع في مارس/ آذار 2022 وزراء خارجية كل من مصر والبحرين والمغرب والإمارات وإسرائيل في منطقة النقب، بغرض نقل فعل التطبيع من أفقه السياسي إلى مجال التعاون بين الدول المطبّعة. وقد اجتمع المطبّعون في منطقة فلسطينية تستوعب اليوم ثكنات عسكرية ومستوطنات زراعية إسرائيلية. وجرى التداول تحت إشراف دولة الكيان الصهيوني، وبحضور الولايات المتحدة، في برامج التعاون، وقد شملت موضوع الأمن الإقليمي والغذائي. وعُقد اجتماع ثان في المنامة وثالث افتراضي، الأمر الذي يُفيد بأن الاجتماعات تمت بإيقاع متواصل خلال أشهر هذه السنة، وتَمّت فيها، أيضاً، برمجة لقاءات أخرى خلال السنة الجديدة، حيث يستعد المشاركون في ملتقى النقب لعقد لقاء في شهر مارس/ آذار المقبل في المغرب، وتعمل الولايات المتحدة جاهدة لإلحاق الأردن والسلطة الفلسطينية بملتقيات النقب، بحسابات تتوخّى دمج الكيان الصهيوني في المحيط العربي.

ولعل تأمُّل ما يجري في المشرق والمغرب وفي الخليج يُظهر أن الأنظمة العربية تقوم اليوم بأدوار ترتبط أساساً بمصالح قِوَى أخرى، تاركةً مختلف الطموحات والآمال العربية جانباً. وفي ضوء ما سبق، إذا لم يعد بإمكاننا وَقْف مسلسل السقوط العربي، وَقْف مسلسل الانقسامات والاختراقات الحاصلة والمقبلة.. فإنه يجب أن ننتظر، اليوم أو غداً، تحوّلات في الوعي السياسي العربي، مرتبطة بمختلف ما سيترتب عن آليات التطبيع الجارية، وقد أصبحت ترسم العلامات الأولى لتاريخ جديد، يساهم الجميع في تهييء شروط تَحَقُّقِه.

مقالات ذات صلة