المجال العام الأردني الجديد.. باسم طويسي
باسم الطويسي
مجال عام أردني جديد يتشكل وتبرز ملامحه الأولية في هذا الوقت، من المؤكد أن هذا المجال ليس وليد لحظة قانون الضريبة الأخير، بل ثمة تراكمات اقتصادية وسياسية تعود لأعوام خلت وصلت الى اللحظة الفارقة بالاحتجاجات الأخيرة، ومن المؤكد في الوقت نفسه أن المجال العام الأردني الجديد ليس استمرارا للربيع العربي لا بنسخته الأولى ولا الثانية، ومن المؤكد أن المجال العام الأردني الجديد لم يكتمل بعد، فثمة أشكال أخرى للمعاناة وأنماط أخرى للتعبير يفترض أن تنتقل من الاحتجاج التقليدي الى الحوار وتحديدا في المحافظات الأردنية التي شاركت وانفعلت في الاحتجاجات الأخيرة ولكن جلها بقي يراقب وينتظر.
لكي نفهم المجال العام الأردني الجديد، علينا أن نفهم القوى الفاعلة الجديدة والقديمة وكيف يعمل كل منهما في هذه البيئة؛ حيث يستثمر المجال العام الجديد بالنعمة المجتمعية المتمثلة بالشباب ويفرض الشباب أشكالا جديدة من المشاركة، ومن المنتظر أن يغيروا القواعد التقليدية للمشاركة والتفاعلات ومعنى القوة السياسية على مختلف المستويات.
في المجال العام الأردني الجديد، تبدو الدولة أكثر تماسكا وأكثر قدرة على تأديب الحكومات والمؤسسات، وفي هذا المجال يقف الملك الى يسار الدولة بالأقوال والأفعال، وتبدو أعلى قمة في هرم السلطة هي الأقرب للقواعد الشعبية. في هذا الوقت، من المتوقع أن أشكال التمثيل الشكلية سوف تخضع لمراجعة قاسية، ولا يمكن أن تتشكل قوى فاعلة جديدة بدون صراع حاد، لن تتنازل القوى التقليدية عن مكانتها وأدوارها ومصالحها بدون صراع. بمعنى أن البلاد سوف تشهد أزمات متتالية بعضها سياسي بامتياز وسوف تحتاج الى مرحلة ليست بالقصيرة لإحداث قطيعة مع الطبقة السياسية التقليدية ومع منهجها في التفكير وإدارة البلاد، ووصولا الى الانتهاء من مرحلة الانتقال الطويلة.
بدأت أنوية تفاعلات سياسية واجتماعية وثقافية جديدة تتبلور، ومن المتوقع أن تتصاعد اذا ما استمر هذا الزخم في تشكيل ملامح حياة عامة جديدة، وعلينا أن ننتبه لحجم الصراعات السياسية المقبلة وطبيعة القوى الطامحة، على سبيل المثال، نتوقع أن لا ترضى النقابات المهنية بعد هذه التطورات بمقعد خلفي في مشهد الحياة العامة، كما هو الحال في أنوية القوى السياسية المدنية التي أخذت بالتشكل منذ أكثر من عامين والتي تعتقد أن احتجاجات الدوار الرابع أقرب الى لونها، الأمر نفسه يصلح مع الحراكات الشعبية الأخرى، وكل هذا يحتاج الى بيئة سياسية تصالحية تدير التنافس السياسي وفق تعريف جديد أكثر وضوحا للصالح العام.
أبرز ملامح التفاعلات تتمثل بوجود وعي شعبي لضبط إيقاع الشارع وقناعة تامة برفض العودة الى بيئة الربيع العربي. وفي المقابل، ليس من المتوقع أن يحتمل هذا الشارع والمجال العام الجديد برمته الإصلاحات الاقتصادية الانتقائية ولا الإصلاحات الترقيعية، ولا مؤسسات تمثيلية شكلية بدون مضمون وتمثيل حقيقي، وليس من المتوقع أن يحتمل هذا الشارع والمجال العام غياب التوازن بين السلطات وضعف الولاية العامة للحكومة.
في هذا المجال لا يوجد مكان للألزهايمر السياسي؛ فالناس لا ينسون وحساسية المجتمع لممارسة المساءلة أخذت جرعات كبيرة، وفي مثل هذه الظروف يعمل ضعف مؤسسات الرقابة على زيادة جرعة المساءلة الشعبية المباشرة التي لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية محبطة وأحيانا مدمرة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الظروف صعبة ومعقدة وحتى بوجود الكفاءات والنوايا الطيبة ستكون الإنجازات محدودة وتحديدا في المراحل الأولى.
ومن مشكلات هذه الحالة صعود الشعبويات السياسية التي يجب أن تحذر الطبقة السياسية الرسمية منها؛ لأن رفع حجم التوقعات الى درجة غير واقعية وسط ظروف صعبة قد يأتي بنتائج غير محمودة.