عماد فراجين هل هذه كوميديا؟… إبراهيم جابر إبراهيم

غالباً ما ينسى المشاهدون حين يتابعون عملاً فنّياً أن هنالك مخرجاً يحرّك الممثلين، وكاتباً يقف خلف هذا الكلام. وأن الممثل هو قدرات أدائية محضة، يمنح الكلام روح التأثير، ويضيف اليه القدرة على الإقناع.
لذلك حين اكتشفنا قبل سنوات بالصدفة على “تلفزيون فلسطين” ممثلاً عبقرياً اسمه “عماد فراجين”، أو بشكل أدقّ برنامجاً كوميدياً من بطولته، (كان يشاركه فيه ولا يقلّ عنه أداء الممثلان منال عوض وخالد مصو)، لم ننتبه وقتها أن العبقرية كانت كامنة في العمل الجماعي، في الكتابة والإخراج والتمثيل والموضوع.
وهذا ما يلفت انتباهنا اليه الآن عماد فراجين، في عمله (وطن على وتر) لشهر رمضان الحالي، والذي مع احترامي الشخصي له، لا يمتّ بأي صلة للكوميديا أو الفن، أو حتى لعماد فراجين السابق!
ومن المفارقات أن فراجين نفسه يبدأ إحدى حلقات العمل بالقول إن هنالك فارقاً بين الممثل الساخر والمهرج، لكنه للأسف، وقع في الخطيئة نفسها التي حذّر منها، ووقع عمله في فخّ التهريج بل ما هو أسوأ.
ربما لم يُقم فراجين وزناً لـ”قيمة الكاتب” في العمل الفني، واعتقَدَ أن أداءه الكوميدي وحده، قادر على حَمل العمل، فاستسهل فكرة الكتابة وراح يكتب نصوصه بنفسه، كما أنه تخلى عن شريكه خالد مصو، الذي كان ممثلاً بارعاً وواحداً من أساسات العمل المهمة.
هو بالطبع حر في مغادرة فكرة الشراكة، وفعلها قبله عادل إمام حين تخلّى عن سعيد صالح، ودريد لحام الذي تخلّى عن نهاد قلعي وياسين بقوش، لكنه لم يكن موفقاً أبداً في أن يكون الكاتب والممثل معاً. وكان عليه أن ينتبه جيداً أنه ليس كاتباً ولا يصلح بالمرّة أن يكون كاتباً، مثلما لا يصلح الكاتب أن يكون ممثلاً!
وقع عماد فراجين عندما حاول الكتابة الساخرة، في ورطة وقع فيها قبله كتّاب ساخرون في الصحف، وهي الخلط بين استخدام اللهجة المحلية الطريفة والرشيقة، وبين استخدام كلمات الشارع البذيئة، فما يتمازح به المتسكعون في الشارع، أو يقوله شباب على المقهى، أو في جلسة مزاج، لا يقال على شاشة التلفزيون للعائلة، فكيف والعائلة في مزاج رمضاني!
ليعذرني عماد فراجين، حتى لو كان كتب قبل سنوات بعض الحلقات ونجح فيها، فهذا لا يعني أنّه كاتب تلفزيوني، ولستُ في مقام الهجوم عليه، لكنه مقام الحزن لما وصل اليه، بعد أن كان برنامجه موقع محبة وإعجاب ومتابعة الصغير قبل الكبير، كان صادماً أن يكون هذه السنة بهذا المستوى، حين لم يترك كلمة بذيئة من الشارع إلا وأقحمها في الموضوع، بل المشكلة أنه لم يكن ثمة “موضوع”، ولم يكن هناك سياق درامي، ولم تنطو الحلقات في أغلبها سوى على السباب والشتائم وتحقير الأم والأب، والكثير من التلميحات الجنسية، بكلمات يخجل منها الجالس أمام التلفزيون حتى لو كان وحده!
وهذه، كما قال هو مفتتحاً إحدى حلقاته، ليست كوميديا، ولا سخرية، لكنه لم يعمل بحكمته حتى في باقي مشاهِد الحلقة نفسها!
كنا نتمنى على الممثل القدير عماد فراجين أن يؤمن بأن الكتابة غير التمثيل، وأن يتركها لأهلها، فهي ليست صنعته. كما أن الجمهور يغفر للعمل الفني أن يخرج على النصّ مرة أو مرتين في سيناريو عمل مهم له سياقة وحبكته، لكن أن يكون العمل بلا قصة ولا فكرة سوى الشتم والسبّ، وأن لا تخلو حلقة واحدة من ذلك، فهذا خروج كامل على فكرة الكوميديا.

مقالات ذات صلة