“القدس في السينما”.. مطالب بخلْق ثقة بين الفيلم والجمهور الفلسطيني

حرير – ضمن فعاليات مهرجان القدس للسينما العربية بدورته الأولى، نظّم المهرجان بإشراف المخرج سليم أبو جبل ندوة حوارية تحت عنوان “السينما في القدس” أدارتها المخرجة والباحثة محاسن ناصر الدين، وتحدث فيها كل من سماح بصول، صحافية ومدونة سينما، ويوسف الصالحي منظِّم مهرجان إيليا للأفلام القصيرة، وبمشاركة جمهور الحاضرين.

 

تحدثت بصول عن حضور القدس في السينما العربية والعالمية والإسرائيلية، منوهةً إلى أن السينما الفلسطينية لم تُعْطَ القدس حقها كواحدة من أعمدة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ومكانتها وأهميتها السياسية وحتى الدينية. وأن عدد الأفلام التي تتخذ من القدس موضوعاً مثل أفلام ساهرة درباس الوثائقية، وفيلم “حجر سليمان” لرمزي مقدسي، قليلٌ جداً، إلى جانب عدم وجود أفلام تسلّط الضوء على جوانب خفية من حياة الناس في المدينة كما فعل المخرج بلال يوسف في فيلمه “تاكسي المدينة”. بالمقابل أشارت إلى أن السينما العالمية تعاملت مع القدس بصورة معقّمة وأضاءت على الجانب الديني وصوَّرَتْ المدينة كمكانٍ تلتقي فيه الأديان الموحّدة بسلام وينسجم الناس دون التطرُّق إلى الواقع ووجود احتلال.

 

أما السينما الإسرائيلية فكانت أكثر ذكاءً بإظهار القدس كرمزٍ لأرض الميعاد، تشد رحال القادمين من أوربا إليها، مدينة وادعة يسكنها إرهابيون يريدون قتل الحلم الصهيوني دون أي مبرر لذلك، وشدَّدَتْ في حديثها على نُدرة الافلام التي تُظهر الفلسطيني في القدس. وأشارت إلى وعي البلدية بالتعاون مع الحكومة بضرورة جذب المخرجين العالميين إلى القدس، وبالتالي تقديم التسهيلات لصناع السينما الأوربيين والأمريكيين ليصوروا أفلامهم في القدس، خاصةً بعد أن لاحظوا أن الأفلام التي تتمحور حول القدس يتم تصويرها في دول حوض المتوسط وعلى رأسها أحد أبرز وأهم الأفلام العالمية للمخرج الإيطالي بازوليني “الإنجيل حسب القديس متَّى” الذي صُوَّرَ في مالطا.

 

 

وفي إجابتها على السؤال حول الأرشيف الفلسطيني وضياعه، قالت إن البكاء على ضياع الأرشيف لن يُجدي نفعاً، وإلى جانب ضرورة استمرار المحاولات بالحصول عليه بالطرق القانونية وربما السياسية، يجب على الفلسطينيين عموماً والمقدسيين على وجه الخصوص بدء توثيق المدينة وتاريخها من خلال الذاكرة الشفوية، والألبومات العائلية لأهالي القدس، والحياة اليومية التي تتغير بوتيرة سريعة ويطغى عليها احتلالَ خانقٌ، منوهةً إلى أن القصص الشخصية للناس هي جزء من التاريخ ويجب بدء تسجيلها.

 

يوسف الصالحي تحدث عن تحديات خلق علاقة بين الجمهور والسينما؛ كون السينما ليست من أولويات وضروريات الحياة اليومية لدى الجمهور الفلسطيني، وعن مبادرته لإقامة مهرجان رغم كل المعوِّقات والتحديات، والسؤال الذي تصعب الإجابة عليه حول بناء جمهور ونوعية الأفلام التي من الممكن أن تجذب الجمهور.

 

وأشار الصالحي الى أن المشهد السينمائي لا يعني الإخراج فقط، وأن هناك ضرورة لبناء مجموعة متكاملة من كُتّاب السيناريو والمصورين، ومساعدي الإنتاج والإخراج بالإضافة لمهنة طواقم الإضاءة والصوت واختيار الممثلين إلى جانب النقّاد والباحثين.

 

 

الصالحي وهو من سكان القدس أكّدَ أن الحياة في المدينة مثقلةٌ بالهموم اليومية، ولذلك تحتاج إلى فعاليات سينمائية متواصلة، وقد لمس ذلك من خلال عرض فيلمه الأول “احكيلي عن القدس” الذي حظي باهتمام الجمهور مما أثار فيه الرغبة والمسؤولية الشخصية لوضع بصمة في هذا المجال.

في الإجابة على السؤال حول دور كل شخصٍ من الفاعلين في الحقل السينمائي قال الصالحي: “دورنا خلْقُ جمهورٍ من خلال التواجد بالقرب منه وعرض أفلام في الشارع وعلى أسوار المدينة تساهم في خلق الوعي والعلاقة. والسعي لاختيار مناسبة بصورة تصاعدية وعدم اقتصار العروض على أفلام تجريبية أو أفلام ترفيهية فقط”.

أما بصول فقالت: “أرى أن التحلي بالمسؤولية الشخصية هو المفتاح، إلى جانب التخصص. فإذا كنت أختص بالتدوين فعليَّ المواظبة على الكتابة والبحث والقراءة والنشر. وآخرون يواظبون على الإنتاج والإخراج. هكذا يمكن خلق سيرورة تطوّر مهنية”. وأكدَت أنَّ: “الاحتفاء بكل فيلم فلسطين هو أمر مهم لدعم الصناعة، لكن علينا اعتماد النقد المهني! لأن سيرورة التعلّم تستلزم الإشارة إلى الغث والسمين بكل موضوعية”.

ضمن مداخلات الجمهور تطرقت مديرة مهرجان القدس للسينما العربية نيفين شاهين إلى ضرورة إتاحة الأفلام للجمهور الواسع من ناحية مواقع العرض ومواعيدها؛ بحيث تناسب الطالبة والعامل والأسرة، وأكدت أن من يحصل على الدعم لإنتاج فيلم عن هذا الجمهور عليه أن يقدم شيئاً للجمهور بالمقابل. بالإضافة إلى ذلك وعدت شاهين بأن مهرجان القدس لن ينتهِ بحفل اختتام، بل سيواصل نشاطه ضمن أندية سينمائية في أماكن مختلفة في المدينة.

جمهور الحاضرين أجمع على ضرورة خلق علاقة بين الجمهور الفلسطيني والفيلم الفلسطيني، وتوجيه اللوم لصناع السينما بأنهم ينتجون أفلاماً بما يتناسب مع المهرجانات العالمية والعربية متجاهلين الجمهور الذي يتحدثون عنه، ويصورون أفلامهم في محيطه، وكذلك عن عدم إتاحة الأفلام الفلسطينية عبر منصات رقمية حتى بعد مرور سنوات طويلة على إنتاجها.. الأمر الذي يزعزع الثقة بين الجمهور -حيث يتم التصوير- وبين صناعة السينما.

واختُتِمَت الندوة بالتأكيد أيضاً على أن الترويج للأفلام هو حجر أساس في نجاحها بغض النظر عن موضوعها، وأن صانع السينما الفلسطيني يجب أن يكون أكثر حساسيةً ويأخذ دوراً في تثقيف الجمهور.

مقالات ذات صلة