( التعليمات ) حين تلغي التدرج التشريعي .. استثناءات التعيين نموذجا

نادر خطاطبة

حرير- ( التعليمات ) وما يصدر عنها من قرارات، الأصل أنها الثالثة في باب التدرج التشريعي، إذ يسبقها النظام والقانون، لكنها في الحالة الأردنية، وبمسائل كثيرة، تتصدر التدرج تبعا للرغبات، وتتفوق على نصوص الدستور الذي هو ” أبو القوانين ” .

قصة الاستثناء في التعيين، على نطاق العموم، لاشك أنها مخالفة للدستور، والتشريعات الناظمة للتعيينات، وان وجدت بنطاق تخصيص قانوني محدود ، فهي راعت جوانب مقبولة شعبيا، كالحالات الإنسانية، وذوي الاحتياجات الخاصة، بسياق الدمج الاجتماعي، لكنها تحت كل الظروف فاقدة المشروعية إن كانت بسياق شراء ذمم، أو استمالة أطراف لصف صاحب القرار أو الجاه أو النفوذ ، فهنا نكون قد دخلنا في قضية، أن الأردنيين ليسوا سواسية أمام القانون، والدستور الذي يسمو عليه .

( التعليمات ) إذن ، هي التي منحت صاحب الدولة حق التجاوز بتعيين هنا عبر إستثناء ، وتزريق هناك على باب مخصصات الرئاسة، في ركن ما من أركان مؤسسات الدولة، وغير ذلك الكثير .

(والتعليمات) بالمناسبة، صلاحياتها مطاطة، وضبابية، ومتباينة بين مسؤول وآخر، بحيث يقف مسؤول كبير أمام حالة عجز عن فهم الجهة التي تقف خلفها، رغم أنه يمارسها احيانا بجوانب مخالفة للقانون ، ومتصلة بوظيفته ، ولنا في حديث رئيس الوزراء الأسبق د. عدنان بدران قبل فترة دالة ودامغة على صحة مانقول ، فالرجل قال ما مضمونه أنه علم أثناء رئاسته الحكومة بخبر تفجيرات عمان عام 2005، يذاع على قناة الجزيرة ، فما كان منه إلا أن اتصل بالتلفزيون الاردني طالبا إذاعة وتغطية الخبر، ليفاجئه الطرف المقابل ، وقد يكون مديرا للتلفزيون أو محررا مناوبا أو خلافه، أن لديه تعليمات بعدم البث !! فبُهِت الرجل .. ما يشي أن أمر البث منوط بتعليمات، وصاحب الدولة والولاية، مستبعد منها، وليست بنطاق تعليماته ..

قبل فترة وجيزة أيضا، تداول الإعلام، والتواصل نبأ حكم مميز وقطعي بسجن نائب، لثلاث سنوات، لكنه مستمر بنيابته، ولم يعر الرسمي اي اهتمام لضجيج الشارع ، الذي ابحر في سوق دلائل المخالفة للقانون، والسكوت عن إنفاذه، والسبب مؤكد مرده ( التعليمات ) ..

المفارقة، أن رئيس مجلس النواب احمد الصفدي، انتصر اليوم لوزير العدل ضد النائب الذي شتمه، وقال إن المجلس لا يقبل أن يسيء نائب للحكومة، كما لا يرتضي أن تسيء الحكومة للمجلس واعضائه، وبذلك قفز الصفدي عن حقيقة أن الوزير الذي رفض مطلبا للنائب الذي شتمه بحجة أنه مخالف للقانون، هو ذات الوزير الذي قبل أن يدخل وزارته موظفا بمخالفة قانونية، ( وبتعليمات ) منحته استثناءا.

والمفارقة أيضا، أن الصفدي ومجلسه ، لم يلتفتوا لأسباب النزاع بين الطرفين ( النائب والوزير ) وهو نزاع تتوافر فيه اركان جريمة الاعتداء على حق المركونين على جداول طلبات التوظيف، في ديوان” الخدعة المدنية”، وجُل هم رئيس المجلس، كان أن يمرر قرار إحالة النائب للجنة السلوك ، لانفاذ عقوبة بحقه، لا نعلم حجمها أو طبيعتها، لكنها حتما ستتم وفقا لـ ( تعليمات )..

خلاصة .. نحن لا نسخر حين نقول ” الدولة دولتهم .. وهم احرار التصرف فيها ” فالناس وهي تشاهد، وتتضرر من انقلاب معادلة التدرج التشريعي، يبدو أنها ما عادت تقيم وزنا لشيء على هذه الأرض ، وهذا الأمر بحد ذاته، مبعث قلق، ويشي أن الأمور ليست بخير .

مقالات ذات صلة