مَن يضع العصي في دواليب حوكمة التعيينات؟
نظام التعيين في الوظائف القيادية متخم بالعصي التي تجعل منه شماعة- وليس أكثر- نعلق عليها قرارات التعيين، فعندما يكون لرأي اللجنة الوزارية 70 % من ثقل اختيار المتقدم للوظيفة القيادية، نكون قد أدخلنا العامل الشخصي بشكل فج في آلية التعيين – برغم الحجة القائلة بأن من وصل إلى مرحلة المقابلة قد تجاوز موضوع الخبرات والقدرات-، ناهيك عن أن بعض المتقدمين قد يكونون أكثر خبرة ومعرفة من اللجنة نفسها، فكيف يكون حكمها هو العامل الحاسم في الاختيار؟.
العصا الثانية التي وضعت في النظام، هي عصا رفض قرار اللجنة وإعطاء صلاحية عدم الموافقة على تعيين صاحب أفضل نتيجة، فإذا كنا قد وضعنا نظاماً يطبق على الجميع، والمنطق يقول إن من يتخطى كافة المراحل، لا بُد أنه تم تقييمه من مختلف النواحي حتى الأمنية منها، فلماذا يكون مصير تعيينه مرهوناً بقبول أو رفض؟، وما الحكمة من وضع آليات، إذا كنا في النهاية نستطيع أن ننحي الأجدر بجرة قلم واحدة؟.
الاستثناءات التي وضعت في النظام، عصا ثالثة لا يمكن تفسيرها، فإذا آمنا بأنها وظائف لها حساسيتها ومتطلباتها، فلماذا لا توضع لها معايير محددة تضمن عدم استخدامها تحت بند الهبات والعطايا، وشبكات العلاقات والمعارف؟.
لا نريد أن نكون سلبيين ولا متشائمين دائماً تجاه أي خطوة لحوكمة التعيينات وتحييد العوامل الشخصية، ولكن كما يقول الفيلسوف الألماني غوته: «من الخطأ أن تكون الأمور الأكثر أهمية تحت رحمة الأمور الأقل أهمية»، ولماذا لم تقلب المعادلة وتصبح الخبرات والقدرات هي الأساس وصاحبة الثقل الأكبر، فيما تكون المقابلة الشخصية عامل مفاضلة لا سيفاً مصلتاً على أعناق المتقدمين للوظائف؟ فوفق المعادلة الحالية، فإن مَن حصل على كامل علامة الخبرات والقدرات قد يتراجع ليصبح الأقل حظّاً بقرار من اللجنة الوزارية.
الحديث عن تسجيل المقابلات بالصوت والصورة لضمان الشفافية، عامل إيجابي ولكنه لا يعني بالضرورة تحييد الدور الشخصي، ومَن قال إن الأقدر على الكلام والتنظير أحق بالوظيفة من صاحب التجربة والخبرة والقدرات المعرفية؟، وهل ستوجه إلى المتقدمين نفس الأسئلة ليتم الحكم على الإجابات بمقياس واحد؟، إذاً لم تعد هذه مقابلة شخصية، بل امتحان يمكن أن يكون مكتوباً، ويصحح من دون معرفة صاحب الإجابات.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا توضع العصي في دواليب أي نظام هدفه تحييد القرارات الشخصية؟، ولماذا نبقى ندور في ذات الدائرة؟، فإذا كان هناك عدد محدد من الأشخاص يستطيع أن يلقي بخبرات وقدرات أي متقدم في الهواء، ويحكم بأنه غير مؤهل لهذه الوظيفة أوتلك، فلماذا وضعنا نظاماً وآليات اختيار؟!.
ما أريد أن أقوله هو أن أي نظام تكون للمقابلة الشخصية فيه الكلمة الفصل، لا يمكن لأحد أن يضمن عدم شخصنة نتائجه. فنحن بشر ولسنا ملائكة، وعلينا ألا ننسى أن الكثير من الوزراء خرجوا مع أول تعديل، بعد أن أثبت الواقع أن الاختيار لم يكن موفقاً.