مستهترون.. وشروع بالقتل

 

فريهان سطعان الحسن 

ربما هو ” شروع بالقتل” حينما يتسيد “الاستهتار”، ويتصدر تصرفات مصابين بالفيروس. يتجولون بيننا، يمارسون أشغالهم، يقضون حاجياتهم، قد يرتادون المطاعم أيضا وأماكن السهر، فيما يعتبر العزل المنزلي آخر سلم أولوياتهم. الأدهى من كل ذلك، هو حجة بعضهم: “ليس لدينا أعراض قوية”.
المراهنة لم تكن على القانون وإرعاب الناس، إنما على وعي المواطن، وقناعته بخطورة الفيروس وأهمية اتباع كافة اجراءات السلامة التي تحميه وغيره. هذا لم يحدث، والنتيجة، أننا لجأنا إلى تشديد العقوبات عبر حملات وجولات أمنية استهدفت بيوت المصابين والمحجورين، هدفها التأكد من عدم خرقهم للعزل المنزلي، ومحاسبة المخالف بنقله للمستشفى الميداني، ومتابعة مخالفته قضائيا بعد ذلك!
لماذا اللجوء إلى القانون وفرض العقوبات؟، لسبب وحيد، هو أن غير الملتزمين، لم يتركوا مساحة أوسع للحوار معهم، واقناعهم بخطورة ما يقدمون عليه من خرق للسلامة العامة، فكان لا بد من محاسبة “قاسية” أساسها نصوص قانونية ستمنع هؤلاء من العبث بصحة أفراد ملتزمين، وتعريض حياتهم للخطر!
للأسف؛ فيروس كورونا الشرس لم يردع عقولا “متحجرة” تأبى إلا أن تكون أنانية، تشرع بنقل الأذية، بحجج واهية، وآخرون متأكدون من الإصابة ومخالطون من الدرجة الأولى “يلتفون” على الأعراض ولا يجرون الفحص الذي يكشف الإصابة، فيصولون ويجولون من دون رقيب أو حسيب
رغم كل الاجراءات التي تقوم بها الحكومة، إلا أن الاستهتار ما يزال “سيد الموقف” ويعم كثيرا من الأمكنة. المطاعم والمقاهي الصغيرة والمتاجر ممتلئة بأناس لا يراعون أدنى شروط السلامة العامة ولا يتبعون الإجراءات الوقائية، وأصحاب هذه المحلات لا يطبقون – كما كانوا سابقا- أبسط القواعد الاحترازية، أما بعض المقاهي فما تزال تقدم الأرجيلة لزبائن محددة “يحفظون السر”، ومن دون أن يراهم أحد!
تحايل من هنا وهناك على القوانين، وخوف الاعتراف من الإصابة بالفيروس يشي وكأنه أمر “معيب” اجتماعيا، تلك النظرة القاصرة التي تمد من عمر المرض وتزيد انتشاره بيننا.
محاسبة المخالفين هو مطلب مجتمعي وضرورة حتمية، لكن الأهمية القصوى تكمن في زيادة جرعات نشر الوعي المجتمعي، ومضاعفة الحملات التوعوية وتغيير ثقافة بعض الأفراد المشكيكين والمستهترين بأرواح الغير، بكل الطرق التي تحمي المجتمع وتقصر من عمر المرض.
للأسف، مع خسارة الرهان على الوعي المجتمعي، فإننا نزداد تخوفا من أن تؤدي الإجراءات الأمنية المشددة إلى عزوف من تظهر عليهم أعراض المرض عن مراجعة مراكز الفحص، هربا من شروط العزل، ما يعني أننا أمام أزمة جديدة قد تحتاج إلى تحليل وتفسير لتجاوز حدوثها.
الأعداد تتزايد، وسرعة الانتشار أصبحت أكثر شراسة وقوة. لا أحد محصن ضد هذا الوباء. فإلى متى سيبقى العابثون بصحتنا لا يشعرون بأنهم يشرعون بقتلنا، وعائلاتنا، ويهددون الأمن الصحي والمجتمعي؟
ايها “المستهترون”.. عليكم أن تدركوا، أن خوفنا من الإصابة بكورونا، يتعدى الاهتمام بصحتنا، إلى العيش بارتباك وخوف على آباء لنا، وأمهات وأشقاء، ممن ترتجف لهم قلوبنا رعبا عليهم، كوننا لا نطيق فكرة أن نكون سببا في خسارة أحدهم، أو أن نقف عاجزين عن مد يد العون لأحدهم وهو يئن وجعا جراء فيروس اقتحم حياته..
لا نريد قوانين تجبرنا، نريد انسانيتنا لا أنانيتنا، وخوفنا على الآخر. نطمح إلى قوانين ذاتية لا تشريعية، نابعة من قيمنا وأخلاقنا وتصرفاتنا المسؤولة.
نريد أن نخرج من دائرة الخوف والوجع، فلا ينقصنا فوق كل ما نعيشه؛ “مجرمين” يعبثون في حياتنا ويدمرون صحتنا. فقط لأنهم فاقدو الضمير والإحساس!

مقالات ذات صلة