دوران في حلقة مفرغة

مكرم أحمد الطراونة

تخوض الحكومة مهمة شبه مستحيلة في كفاحها ضد كورونا، خصوصا أنها مهمة تزداد صعوبة مع ارتفاع نسبة الإصابات المسجلة. خيارات الحكومة تضيق اليوم، خصوصا مع ترجيحات تقول إننا بدأنا موجة ثانية، لذلك فإن أي سبيل ستسلكه قد لا يكون ناجعا بشكل كامل.
المشهد مرتبك، والحكومة تقدم خطوة للأمام باتجاه اتخاذ قرارات حاسمة انطلاقا من أولوية الصحة العامة، لتعود خطوات للوراء جراء الضغط من القطاعات الاقتصادية، وأيضا خشيتها من انهيارات في تلك القطاعات. لكن ما تقوم به حتى هذه اللحظة لا يخرج عن مفهوم “الفزعة”، وقراراتها لم تتجاوز تشديد الإجراءات لا أكثر.
نعم، استمرار الرقابة والتشدد ومعاقبة المخالفين، أمور غاية في الأهمية، ومن شأنه أن يسهم في تخفيف الاحتكاك بين الناس، ويدفعهم نحو الالتزام أكثر، لكن مع ضمان فاعليته واستمراريته. هذا الأمر لن يحدث في الأردن بكل أسف، من خلال الإجراءات الحكومية المتبعة حتى اليوم.
في ظل الحيرة التي تعيشها الحكومة، فإن ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة باتت أمرا ملحا. صحيح أن الوصول إلى صفر حالة مستحيل ما دام العالم يتحرك من حولنا، لكن على أقل تقدير يمكن الحفاظ على ذات المستوى أو الهبوط به نحو الأسفل.
لماذا يترك الناس على أهوائهم بالتحرك بحرية تامة، ألا يستوجب الوضع العودة إلى توسيع ساعات الحظر الليلية! الدول الأوروبية نظمت حياتها قبل كورونا على الإغلاق المبكر للأسواق. الساعة التاسعة كانت تعلن في تلك المدن بداية إغلاق المحال التجارية.
هناك قطاعات اقتصادية ليست بحاجة إلى فتح أبوابها أمام الناس أيام الجمعة، وأخرى يكفيها العمل حتى الساعة السادسة. يمكن تصنيف هذه القطاعات والسماح لها بالعمل وفق أطر ومعايير وساعات معينة، ولنترك المساحة الواسعة للبقالات والصيدليات والمحال التي تختص بالأساسيات.
في أيام الأسبوع، أيضا، هناك قطاعات يجب أن تغلق أبوابها مبكرا، إذ يكفيها العمل حتى غروب الشمس، ولا داعي لأن تواصل السهر حتى ساعات متأخرة، حيث الطلب عليها يكون معدوما.
يجب ألا تتردد الحكومة في اتخاذ قرارات حاسمة بهذا الاتجاه، مع وضع استراتيجية لما بعد العودة للانفتاح عند ضمان انخفاض الإصابات. لسنا وحدنا في العالم الذين نخوض هذه التجربة، فالعديد من الدول لم تنتظر طويلا حتى تعود إلى الإغلاقات المدروسة.
إلى جانب ذلك، على الحكومة أن تكف عن تذمرها من عدم إقدام الناس على تلقي لقاح كورونا، عليها توفيره أولا، ومن ثم بذل جميع الجهود واتباع الطرق التوعوية كافة من أجل الوصول إلى نسبة عالية من الأردنيين الذين حصلوا على اللقاح. لماذا لا يكون أخذ المطعوم، مثلا، شرطا لإتمام أي معاملة حكومية.
للأسف فشلت نسبة لا بأس بها من الأردنيين في رهان الوعي، عندما رفضت الالتزام بالتباعد الجسدي واتباع التعليمات الخاصة بالحد من انتشار كورونا، كما فشلت الحكومة، كذلك، من خلال ترددها في العديد من المواقف، وأبرزها عدم القدرة على الموازنة بين الصحة والاقتصاد، وعدم نجاعة برامجها في إقناع الناس باللقاح، والنتيجة عدم القدرة على اتخاذ قرار مناسب يحاكي حجم المشكلة.

مقالات ذات صلة