إصدار أمر دفاع ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر في ظل جائحة كورونا وقرارت الحظر المتعاقبة ضرورة حان وقتها

كتب المحامي يزن محادين

مما يثير الأستغراب في ظل الوضع الوبائي والاقتصادي االراهن الموقف السلبي الذي تنتهجه الحكومة في تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر بالرغم من دخولها في أدق التفاصيل في مواضع آخرى ، كالأحكام العمالية و احكام الضمان الإجتماعي ،  وحتى في احكام التسهيلات المصرفية لدى البنوك ، و بالتأكيد فأن لكل أمر دفاع يصدره رئيس الوزراء آثارا إيجابية وسلبية على حياة المواطنين بشكل عام.

ولكن الآثار السلبية لعدم تحرك الحكومة في تنظيم علاقة المالك والمستأجر واضحة وجلية ، حيث أن الأطراف في هذه العلاقة في حيرة من أمرهم فيما يتوجب عليهم اتباعه قانونيا، يضاف لذلك الضغط الهائل للوضع الأقتصادي المتردي أصلاً والذي عظمته جائحة كورونا مما يحرمهم من رفاهية تجاوز اشكالية دفع الأجرة من خلال سدادها من قبل المستأجر أو التغاضي عنها من قبل المؤجر.

إن من أهم هذه الآثار السلبية هو الشرخ في العلاقة الودية بين المالك والمستأجر التي قد تكون امتدت لفترة زمنية طويلة تخللها مراعاة الأطراف لظروف نظرائهم ، ولكن اي منهم لم يعد يستطع ذلك الآن.

يضاف الى ذلك أن ترك هذه العلاقة دون تنظيم سيرهق كاهل الكادر القضائي بعشرات آلاف الدعاوي القضائية مما يؤثر على السعي الحثيث من المجلس القضائي لتوفير العدالة الناجزة السريعة التي يسعى المجلس و المواطن لها.

كما أن التكييف القانوني لاثار هذه الجائحة القانونية قد يأخذ وقتاً وجهداً ليس باليسير حتى يتم الإستقرار على الإجتهاد القضائي الأمثل للتعامل مع كل مفصل  من مفاصل هذه العلاقة بتفاصيلها المتعددة من عقود سكنية وتجارية وقطاعات أشد تضرراً وأقل تضرراً وقطاعات اخرى متوقفة كلياً .

ناهيك عن انه وكما نعلم جميعاً فأن اللجوء إلى القضاء سيستغرق سنوات لحسم النزاع وخلال هذه الفترة يستطيب المستأجر حلاوه الامتناع عن دفع الأجرة المستحقة عليه ولكنه في النتيجة سيتجرع السم بحكم إخلاء مصحوب بالأجرة المتراكمة وما يتبعها من فوائد ومصاريف تجعل الحكم بمثابة المقصله التي تقضي على ديمومة عمله وتؤثر على حياته و اسرته بالتبعية .

قد تكون مبررات الحكومة بإتخاذ هذا الموقف السلبي ناشئة عن خوفها بأن يتم مطالبتها قضائياً من قبل المؤجرين عن أي انتقاص من حقوقهم في حال تضمن أمر الدفاع مثل ذلك الانتقاص ، أو كونها تتخذ دور كل من المؤجر والمستأجر في العديد من المواقع ، وحساباتها بأنها قد تخسر مادياً في حال إصدار أمر من هذا القبيل.

وقد تكون الخسارة في ذهن الحكومة من الرصيد الشعبي في حال محاباة طرف على حساب الآخر.

وقد تكون الحكومة لا تستطيع الوصول الى صياغة معادلة عادلة بين أطراف النزاع لطرحها أو فرضها من خلال إصدار  أمر دفاع خاص.

ولكن كل ما سبق وعلى فرض صحة انطباقه يبقى أقل ضرراً من الآثار السلبية المترتبة على عدم التدخل نهائيا .

نستثني هنا مناقشة  الربح والخسارة المادية والشعبية للحكومة ، ولكن من الممكن أن نساعد الحكومة في طرح مبادئ عامة  يمكن الأسترشاد بها لإصدار أمر دفاع لتنظيم هذه العلاقة ضمن سيناريوهات متعددة تعالج أحكام العلاقة حسب الغاية من الإيجار : 

أولاً: لا بد من التفريق في أحكام أمر الدفاع بين عقود الإيجار السكنية والتجارية، والتفريق بين عقود إيجار غاياتها قد تضررت بشكل جزئي من قرارات الحظر المتعاقبة و عقود اخرى غاياتها مختلفة و اعترفت الحكومة بها كقطاعات من الأشد تضرراً بقرارات الحظر .

ثانياً: تقسيط الأجرة المستحقة حسب احكام امر الدفاع على فترات لاحقة لإعلان الحكومة لإنتهاء الجائحة أو آثارها ، مما يسهل امكانية توفر السيولة و بالأخص للقطاعات المتوقفة عن العمل .

ثالثاً: وضع معيار لإحتساب الأجرة المستحقة من تاريخ تفعيل قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992 بحيث يراعى فيه النشاط الذي هو غاية عقد الإيجار و تتوزع بموجبه تبعات الجائحة وقرارات الحظر على كل من المؤجر والمستأجر ، سواء أكان الأمر بفرض استحقاق نسبة معينة من قيمة الأجرة أو وقف الزيادات السنوية المتفق عليها في بعض أنواع العقود ،ولا يوجد ما يمنع من ربط ذلك إيضاً في البيانات المالية الصادرة عن الشركات بحيث يفعًل ذلك في حال ان الشركة المستأجرة تتعرض للخسارة ، أما في حال ان بياناتها المالية تظهر ارباحاً فكفى الله المؤمنين شر القتال ويبقى الحال كما هو عليه لانتفاء الغاية من التشاركية في تحمل الخسارة.

 

رابعاً: من المحبذ ايضاً أن تربط الحكومة تعاون المؤجر في تنفيذ أمر الدفاع بحوافز لاعفاءات ضريبية تشجيعية ووقف الغرامات التأخيرية لضريبة الدخل أو المسقفات عن المؤجر مما يجعل الحكومة عنصراً فاعلاً في حل الأزمة وما يتبعها من آثار اقتصادية .

خامساً: أذا ارتأت الحكومة أن تفكر بشكل خلاق خارج الصندوق التقليدي للحلول الروتينية فأن تعهدها بأنه في حال التزام المؤجر والمستأجر بأحكام أمر الدفاع المفروضة ستقوم بتأمين قرض ميسر للمستأجر بقيمة الأجرة المستحقة حسب أمر الدفاع شريطة دفعها مباشرة الى المؤجر فأن ذلك سيكون ذو أثر إيجابي على الأقتصاد برمته حيث سيدعم أقتصاد المملكة بوفرة من السيولة تسمح بدوران عجلة الأقتصاد والحفاظ على المكتسبات السابقة التي انهكتها إجراءات الحظر وآثار الجائحة، وإن لم تتوفر مثل هذه السيولة لدى الحكومة فأن مجرد تعهد الحكومة بكفالة السداد في حال التعثر من قبل المستأجرسيشجع الجهات المانحة للقروض لأخذ مثل هذا الدور ومساعدة الحكومة للسير قدماً به .

يتجادل اصحاب الرأي القانوني  كثيراً في مدى صلاحيات الحكومة و رئيس الوزراء في الدخول في تفاصيل العلاقات التعاقدية بين المواطنين بموجب أوامر الدفاع ، ولكن التجربة السابقة في تنظيم علاقة العامل ورب العمل من خلال أوامر الدفاع وأن لم تكن قد عالجت الموضوع على الوجه الأمثل واغفلت العديد من التفاصيل – من وجهة نظري على الأقل – ،الاٌ انها بلا شك أي اوامر الدفاع قامت بصيانة العلاقة الودية  بين العامل ورب العمل كما إنها جنبت جهازنا القضائي الأرهاق الذي قد ينشأ عن كم كبير من النزاعات في هذا المجال وقد ارتضتها الغالبية العظمى من المجتمع الأردني كمرجع قانوني أو مرجع استرشادي للعدالة لمن يشكك في قانونيتها .

 

إن صدور أمر دفاع ينظم علاقة المالك والمستأجر سيكون بمثابة حقنة الحياة للمواطنين والقطاعات التجارية والأقتصاد بشكل عام ، واعتقد أنه قد حان الوقت لإصداره . 

 

                                                          

 

مقالات ذات صلة