لماذا خسرت الحكومة “معركة الضريبة”؟… جمانة غنيمات

 

حتى يوم أمس، كانت المحاولات الحكومية والرسمية تسعى لإقناع مجلس النقباء بالتراجع عن قراره بالإضراب المقرر يوم غد الأربعاء، بيد أن كل الجهود فشلت في ذلك، وعلى رأسها محاولة رئيس الوزراء هاني الملقي.
المشكل حيال مشروع قانون الضريبة يتسع، ولا أدري إن كان الخرق اتسع على الراتق ولم يعد بالإمكان ضبط إيقاع ردود الفعل على القانون الذي تقف في وجهه القطاعات الاقتصادية المختلفة من تجار وصناعيين وبنوك وزراعيين، وكذلك مكونات الطبقة الوسطى، وغيرها.
ثمة أسباب كثيرة أدت الى هذه النتيجة، أهمها أن الأردنيين ملوا سياسة الجباية التي تمارسها الحكومات منذ سنوات، ولم يلمسوا نتائج هذه القرارات على حياتهم، فلا المداخيل زادت ولا الخدمات تحسنت، ولا النمو والتنمية المنشودان تحققا.
ضعف الثقة بالمؤسسات التشريعية والتنفيذية لعب دورا مهما في بلوغ هذه النهاية، ما قاد الناس إلى الإحساس بأن هذه المؤسسات لم تقر مشروعا يخدمها بل ستخطط وتنسق معا لتمرير القانون، الأمر الذي دفع باتجاه هذا التصعيد غير المسبوق.
يلي ذلك أن الحكومة الحالية اتخذت حزمتين من القرارات الصعبة التي استهدفت جيوب الناس، ورفعت ضريبة المبيعات على حزمة كبيرة من السلع والخدمات، ما أثر سلبا على مداخيل الناس واستنزفها، ما يعني أن بلوغ هذه النتيجة ليس إلا رفضا لكل السياسات الحكومية.
يظن الناس، أيضا، أن السياسات مجتزأة، فخطط الحكومة والترويج للقانون لم يتضمنا أي تصريح أو تلويح بنوايا حكومية لضبط النفقات التي يرى الناس بأعينهم أنها لم تحدث قط، وأن مسؤولينا ما يزالون ينفقون وكأنهم في دولة ثرية، فيما على الناس واجب تسديد هذه النفقات وربط الأحزمة وشد البطون إلى ما لا نهاية.
ثم إن غياب الأمل والأفق عند المجتمع من قدرة القرارات المطبقة على إخراج الأردن من الأزمة، يجعلهم رافضين لكل هذه القرارات، فتجربة الأردنيين مع الحكومات ورؤسائها لم تكن أبدا طيبة، ما يعمق اليأس من هذه الحكومات، ويقلل من الإيمان بقدرتها على تقديم الحلول.
كذلك، يسكن في وجدان الناس أن هذا القانون يمثل ضربة قوية للطبقة الوسطى بعد أن قررت الحكومة تخفيض الإعفاءات من 28 ألف دينار للأسرة سنويا إلى 16 ألفا، ويرتبط بذلك أن أعضاء هذه الشريحة تحديدا من الأردنيين المتعلمين المثقفين المدركين لتبعات هذا القانون على مختلف شرائح المجتمع.
كذلك ليس دقيقا أن القانون للأغنياء وأنه لصالح الفقراء، فالفقير ومحدود الدخل غير معنيين مباشرة ولن يدفعا الضريبة، بيد أن إضعاف غيرهما من القطاعات المشغلة سينعكس عليهما لناحية تقليل فرصهما في الحصول على عمل، والذي سيحد التشريع من قدرة توليده.
والشريحة الباحثة عن فرصة عمل، تحديدا الشباب، ستتضاعف معاناتهم نتيجة إغلاق مؤسسات أو إرهاقها بالأعباء، ما يعني عدم زيادة فرص العمل من قبل هذه المؤسسات.
فشلت الحكومة في ضبط التصعيد ضد القانون لأسباب لا تتعلق بها بل بفكرة موجودة بوجدان الأردني، فحواها أن محاربة الفساد لم تتم ولم يعاقب أي فاسد على هدر وتضييع المال العام؛ إذ لم تفلح الحكومات في تبديد هذا الإحساس، بل للأسف عمقته نتيجة غياب الشفافية.
عامل آخر، جعلت الجميع رافضين للقانون، وأقصد بالجميع؛ الفقراء والأغنياء والقطاعات والملتزمين والمتهربين من الضريبة، وذلك متصل بشكل مباشر بغياب الأسباب المقنعة للقانون، وافتقاد سياسة التواصل لشرحه.
الحكومة نجحت في جعل الجميع معادين ورافضين للقانون بسبب غياب التواصل والحوار كذلك، ربما لأنها راهنت مرة جديدة على صمت الناس، ولم تعمل على تهيئة حد أدنى من التوافق، وكذلك لم نر فريقا حكوميا يتبنى الملف حتى بات الجميع ضده، بمن في ذلك وزراء في حكومة الملقي.
قانون الضريبة يحتاج إلى مبررات كافية لتقنع الناس به، ويتطلب طريقة تفكير مختلفة لوضع صياغة تحقق الهدف من دون أن يضرب الاستثمار والنمو.

مقالات ذات صلة