منتدى فلسطين: حماس وأسئلة المستقبل

عصام عبد الشافي

حرير- نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية للدراسات، المنتدى السنوي لفلسطين، في دورته الثانية بالدوحة، من 10 إلى 12 فبراير/شباط الجاري. وضمن فعالياته، في يومه الأخير (الثالث) انعقدت ندوة عن مستقبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وبقدر ما طرحت الندوة من تساؤلات كثيرة، لم تكن هناك إجابات واضحة ومحدّدة فيها، أمام تشابك الأبعاد وتعدّد المتغيرات التي تتحكم في هذا المستقبل، ومدى القدرة على الإحاطة بهذه الأبعاد وتلك المتغيرات.

… مع تداعيات معركة طوفان الأقصى، التي بدأت في 7 أكتوبر، والضربة القاصمة التي تعرّض لها الكيان الصهيوني، حاول قادة الكيان ترسيخ مقولة “ما بعد حماس”، واضعين أمامهم هدفاً رئيسياً للقضاء على الحركة. وفي المقابل، ومع ضخامة تداعيات الطوفان على الكيان وعلى الحركة وعلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عامة، وعلى قطاع غزّة خصوصاً، تم طرح مقولة “اليوم التالي للحرب”، وهي تحتمل أطروحات كثيرة، منها “ما بعد حماس” و”ما بعد إسرائيل” “وما بعد غزة” بل و”ما بعد الولايات المتحدة”!. وفي سياقات هذه الأطروحات، سيتم التركيز على أسئلة المستقبل الخاصة بحركة حماس، باعتبارها محور الاهتمام الرئيس في كل هذه الأطروحات، وما يرتبط بها من سياقات وتطورات وتحوّلات ودوائر.

من بين الدوائر الأساسية الحاكمة لمستقبل الحركة دائرتها الداخلية، سواء من حيث القيادة أو الهيكل التنظيمي أو الرؤية الاستراتيجية أو العلاقة بين الجناحين، السياسي والعسكري. وإذا كانت الحركة تتسم بدرجة عالية من المرونة والقدرة على التحوّل والتكيف وإعادة التشكيل، على مستوى الهياكل أو القيادات أو الخطط والسياسات، فإن ما بعد الطوفان ليس كما قبله. لأن الطوفان كشف بوضوح شديد أننا لسنا أمام حركة تمارس في مواجهتها العدو المحتل أسلوب حرب العصابات، ولكننا أمام هيكل أقرب إلى الجيوش النظامية التي تمتلك وضوحاً في الرؤى الاستراتيجية والخطط العسكرية، وسيكون لهذا التحوّل تداعيات مستقبلية عديدة على بنية الحركة ومستقبلهـا. بعيداً عن التفسيرات التي ذهبت إلى أن هناك فجوة بين الجناحين، والتي لا أتفق معها كثيراً، فهي ليست فجوة بقدر ما هي توزيع دقيق للأدوار والمهام في إطار رؤية استراتيجية ضابطة للحركة.

يرتبط بهذه الدائرة عامل آخر مهم، وهو حجم الحاضنة الشعبية للحركة وقدرتها على التماسك والصمود، في ظل التداعيات الكارثية للطوفان على مستوى الشهداء والمصابين والنازحين والمفقودين، وعلى مستوى التدمير الصهيوني الممنهج للبنية التحتية للقطاع، والعمل على جعله غير صالح للحياة، وفرض التهجير على سكانه.

العامل الثالث المهم في هذه الدائرة، علاقة “حماس” بحركات المقاومة وفصائلها في القطاع وفي الضفة الغربية والقدس، وكذلك بالسلطة الفلسطينية، فهذه العلاقات، سواء تمت إدارتها ثنائياً أو جماعياً، ستكون لها تأثيراتها المهمة على مستقبل الحركة، وحدود دورها السياسي والأمني والعسكري، ليس فقط في القطاع، ولكن في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، الفصل بين مستقبل “حماس” ومستقبل غزّة، في ظل الارتباط الاستراتيجي بين الحركة والقطاع، نشأة وتأسيساً وتطوراً وتجذّراً وحاضنة ونشاطاً وتأثيراً، لذلك من المهم في إطار بحث سؤال مستقبل الحركة سؤال مستقبل القطاع، وهنا تبرز عدة أطروحات، بغض النظر عن إمكانية تحقّق كل منها أو احتماليته أو كيفيته.

أولى هذه الأطروحات، نقل إدارة القطاع إلى مصر. وثانيها، تحويله إلى منطقة تجارة حرة دولية ضمن امتدادات مشروع نيوم الذي ينطلق من السعودية ويتمدّد شمال شرق باتجاه الأردن ومصر، ويمكن أن يكون القطاع جزءاً من هذه الامتدادات. وثالثها، أن يكون جزءاً من كونفيدرالية فلسطينية بامتيازات ذاتية خاصة (نموذج كردستان)، في ظل حالة التشظي الداخلي الفلسطيني. ورابعها، أن يكون جزءاً من دولة موحدة ومركزية فلسطينية، بسلطة واحدة، وفق توافقات وطنية داخلية. خامس هذه الاحتمالات، أن يكون إقليماً محتلاً بإدارة صهيونية، تعيد فرض السيطرة والاحتلال على القطاع، أمام تداعيات طوفان الأقصى، ومنعاً لتكراره مرة ثانية. وسادس الاحتمالات أن يكون القطاع بحدوده الراهنة، دولة مستقلة قائمة بذاتها وفق اشتراطات وضوابط وضمانات تفرضها الأطراف الداخلية في القطاع والداخلية في فلسطين وكذلك الإقليمية والدولية. … وبناء عليه، من المهم تحليل مستقبل “حماس” في ظل كل سيناريو، ليس من باب الرفاهية الفكرية، ولكن من باب التحسّب والاستعداد لكل المسارات، ووضع السياسات والبدائل للتعاطي معها، حال الدفع باتجاه أيٍّ منها في أيٍّ من مراحل الصراع.

من الصعب كذلك، إن لم يكن من المستحيل، الحديث عن مستقبل “حماس” بمعزلٍ عن مستقبل التحوّلات ومساراتها في المنطقة، مثل مستقبل النظام في مصر، والنظام في سورية، والنظام في إيران، والوضع في لبنان والعراق وتركيا، ومستقبل اتفاقيات التطبيع بين النظم العربية والكيان الصهيوني، بل ومستقبل النظام في الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة ذاتها، باعتبار أن من شأن التحوّل في كل هذه الدوائر الإقليمية والدولية أن ينعكس إيجاباً وسلباً على مستقبل الحركة، نظراً إلى درجة التعقيد والتشابك الكبيرة بين الأطراف والفواعل المؤثرة في هذه الدوائر من ناحية، وتحولات القضية الفلسطينية من ناحية ثانية. فمستقبل “حماس” يرتبط، بدرجة كبيرة، بمدى استمرار ما تتمتع به من دعم إقليمي ودولي، بعيداً عما نجحت في تطويره من إمكانات وقدرات ذاتية خلال السنوات الأخيرة، ظهر تأثيرُها في الموجة الأخيرة من موجات الصراع، بعد “طوفان الأقصى”، لأننا، في الأخير، نتعامل مع قطاع محدود المساحة، محدود القدرات، يواجه حصاراً ممتداً نحو عقدين، وسيكون معرّضاً لمزيد من تشديد قبضة الحصار في مرحلة ما بعد الطوفان، وفق سياقات التحوّل ومساراته.

وجزء كبير من القدرات الذاتية للحركة يبقى الرهان في مصادره التأسيسية والبنيوية على إيران من ناحية، بحكم الارتباط الاستراتيجي بين الطرفين، ومصر من ناحية ثانية بحكم الارتباط التاريخي والجغرافي والأمني والعسكري والسكاني، وهو ما يعني أن أي تحوّلات في المشهدين، الإيراني والمصري، ستكون لها تداعياتها على الحركة. وتجربة ثورة يناير 2011 وما تلاها من تغيير سياسي قبل انقلاب 2013، دليل قوي على ما يمكن أن تشهده حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة، من تأثيرات حال حدوث تكرار مثل هذا التحول، أو حتى بدرجة أقل، حتى لو عاد الأمر لمستوى ما كان عليه الوضع في ظل نظام حسني مبارك.

وهو ما يندرج على المشهد الإيراني، وإنْ بدرجات أقل من حيث التأثير مقارنة بمصر، بحكم جوارها الجغرافي للقطاع، فأي تحوّل سياسي في إيران، سواء داخل إيران ونظامها السياسي وتوجهاتها الخارجية، أو في حدود دور الأدوات والأذرع التي تعتمد عليها في إدارة جانب مهم وفاعل من دوائر سياستها الإقليمية والدولية، سيكون لهذا التحوّل على حجم الدعم الذي تحصل عليه “حماس” وحدوده ونطاقه ومستواه.

وفي إطار هذه الدوائر وتشابكاتها، يمكن القول إن مستقبل حركة حماس ليس شأناً خاصاً بها، وليس شأناً فلسطينياً فقط، بل هو شأن إقليمي ودولي أيضاً، الأمر الذي يتطلب مراعاة كل هذه الأبعاد وما يرتبط بها من دوائر لبناء رؤية أكثر دقّة بشأن هذا المستقبل.

مقالات ذات صلة