البهجة… أحمد حسن الزعبي
الطقس ليس حرارة وبرودة ، الطقس هنا في الداخل أما رضاَ أو ضيق ، فذاتُ صيفِ حضر رمضان أيضاَ، ومع ذلك كان لطيفاً..
غرفة واحدة،مروحة سقفية واحدة،تلفزيون واحد، الصُيّام منسدحون على “صبّة” الغرفة طلباً للبرودة ..والأحلام جداً بسيطة..المصحف القديم ذو الورق الأصفر بيد أبي،مسلسلات تاريخية مؤدّاة باللغة العربية الفصحى وان دخلت عليها اللهجة المصرية أحياناً ، ومسابقات بسيطة تسلّينا في النهار الطويل ، لم نكن نضجر لأن النفس ممتلئة بالحياة وبالرضا والبهجة كذلك..
كان رمضان يشبهنا ، طيباً بسيطاً وقنوعاَ..رزقا لا عبئاً، رائحته تملأ المكان، كل تفصيل من تفاصيله يقول “انا رمضان”..وقت الغروب تتصاعد رائحة القهوة من الشبابيك ، تستريح الطناجر القليلة عن وهج النار ،تهتز الدالية لأي نسمة غروب عابرة ، يحمل “الختيارية” قطع الحصير او أكياس الخيش يجلسون أمام بيوتهم ليقصّروا من ثوب النهار الطويل..يطوف الأولاد بالصحون بين البيوت ،فكلما سكبت ربّة بيت طعاماً اقتطعت صحناً غلفته “ببشيكر” أو “جريدة” وقالت لأحد الأولاد “لدار أبو فلان”، لا يسأل الأب لمن هذا ولمَ هذا؟ ولا تسأل الأم ممّن هذا!! فالتهادي والإطعام طبع وعادة ، في ذلك الزمان كان الحيُّ حياً..لا جثّة مسجّاة على الأجهزة..
لأننا كنا نمتلك مفاصل الحياة ،كنا نحبّها ، الخبز خبز الطابون ،والبصل الأخضر من الحاكورة ، والميّ “مية بير” ينشل من البئر ماء بارداً صافياً يوضع في “الخابية” او في “الترمس” يحفظ طبع الصخر برودة ونقاء، كانت موائدنا خارج بيوتنا ،نراقب الشمس وهي تذوب في فم الغروب ، نرى العصافير التي تعود الى أعشاشها بعد نهار قائظ ، نختلف في تقدير عمر الهلال الظاهر بين نهار وليل ،نستمع بإنصات الى “نحنحات” المؤذن ،وعندما ينطق بــ”الله أكبر” نقرب “كاسات الألمنيوم” منا..ننتظره حتى “يتشهدّ” – هكذا كانوا يقولون لنا- بعد ذلك نروي العروق ونفطر على ما قسم الله..
هذه الأيام، يأتي الغروب باهتاً، ننزوي في غرف مغلقة ، يقف على الشباك الصائم المناوب ليستمع الى الأذان الموحّد ،وبعد ان يحين الوقت ،يغلق النافذة بسرعة كي لا تتسرب برودة “المكيّف”، او يسمع جرس الدار..
هذه الأيام حضر كل شيء وغابت البهجة!.