الحكومة وواجبها تجاه شهداء الصوامع .. ابراهيم عبدالمجيد القيسي
رحم الله الشهداء الستة؛ العمال الأردنيين الذين قضوا في حريق الصوامع في العقبة، الذين ترحم عليهم الأردنيون وتابعوا بكل حزن ولوعة الأنباء المتواترة عن استشهادهم في المستشفى واحدا تلو الآخر، وهو موقف غارق بالإثارة والحزن واللهفة على أسرهم وذويهم وعلى شبابهم المأسوف عليه، ولا نملك إلا أن نسأل الله لهم الرحمة ولأهاليهم وذويهم الصبر والسلوان، مؤكدين موقفنا الطبيعي من وجوب معرفة أسباب الحادث ومآلات مصائر المسؤولين عنه ومصير عائلات الشهداء الذين كانوا بالأمس يكدّون للبحث عن خبز أطفالهم، فاختارهم الله كي يكونوا بقربه..ولا رادّ لقضاء الله وقدره.
الحادثة مؤلمة بلا شك؛ ولن أقول بأن طائرات تسقط من السماء ويموت فيها مئات الأشخاص، بل نقول انها حادثة مختلفة عن حادث السير الذي حدث قبل أسابيع وراح ضحيته نائب وعدد مشابه من الضحايا، وتداعى له الأردنيون بالحزن والتضامن مع ذوي الضحايا، بل إن ضحايا حادثة الصوامع من غير الشهداء هم أكثر من 6 عائلات أردنية، وهي العائلات التي كان الشهداء يعيلونها، فهي جميعها فقدت معيليها، ويجب أن تتكفل بهم الدولة بعد كفالته تعالى بهم، وحفظه ورعايته سبحانه لكل فرد منهم، وقد قامت الحكومة بواجبها الانساني أولا، حيث رشحت أخبار عن قيام الحكومة بتقديم 5 آلاف دينار لذوي كل شهيد فقيد، وهذا لا يؤثر على حقوقه القانونية الأخرى التي تقرها المحاكم ولا يخصم منها، ولا علاقة له بأي إجراء جزائي ناتج عن إهمال مسؤولين في الصوامع، بل هو موقف حكومي إنساني طبيعي، لم تتحدث عنه الحكومة مطلقا، وكذلك انتدب الدكتور هاني الملقي نائبه الأول جمال الصرايرة لتقديم التعازي باسم الحكومة، فقام الصرايرة بزيارة بيوت العزاء جميعها (في الغور وفي ماركا وفي العقبة)، وعبر عنا جميعا كأسرة أردنية واحدة متضامنة متكافلة، نحزن لحزن أي أردني فينا ونفرح لفرحه، وهذا أقل ما يقال في تقديم عزاء لذوي شهيد أو أي فقيد آخر، خرج يبحث عن رزق أطفاله ولم يعد إليهم بل حضر خبر فقدانه، فلا تشكيك ولا استغلال لمثل هذه المآسي، والضغط على جراح الناس وآلامهم طلبا للنجومية وشن الطلعات ضد الخصوم السياسيين وغيرهم، فهذه هي الجرائم، فهي مواقف غريبة عن مجتمعنا، ولا يمكن للأردني السويّ أن يستغل مصائب الناس لبث الاشاعات والتشكيك بمواقف المسؤولين وأماناتهم، وإطلاق الأحكام المسبقة، غير آبه بتأثير هذه الاشاعات والتشكيك على ذوي الشهداء وعلى الأسوياء من البشر.
لا أحد ينكر على أي أردني التعبير عن حزنه عما جرى للضحايا، لكن يجب علينا جميعا أن نفهم بأن ليس كل الكلام يقال في مثل هذه الظروف، التي يمر بها الناس المكلومين بفقدان معيليهم وأبنائهم وإخوانهم وآبائهم، فنحن لا نتحدث عن حادثة وقعت على أرض أو مؤسسة خارج حدود السيادة الأردنية، بل نحن نتحدث عن أردنيين استشهدوا في حادثة مؤسفة وقعت في مؤسسة حكومية، وهذا يعني أن الاجراءات الرسمية المتبعة يجب أن تمضي كما ينبغي، فالمسألة في عهدة القضاء، ولا يمكننا استباق نتائج التحقيق لمعرفة أسباب الحادث وملابساته، وبعد هذا يكون لنا حديث آخر..
بعض الناس فقدوا البوصلة، وأصبحوا كثيرا ما يقعون في الخذلان، يخذلون الناس وأنفسهم حين يسوقون التساؤلات والاستنتاجات ويطلقون الإشاعات والتشكيك، فهذا يطالب الحكومة بأن تنتظر الناس في المستشفيات قبل أن يمرضوا حتى أو حتى انتظارهم على المقابر !، وذاك يطالب المسؤولين والوزراء بأن يكون لديهم «برامج سياسية واضحة»، متناسيا أنهم أعضاء في فريق حكومي قدم برنامجه «بيانه» لمجلس النواب، وعلى أساسه حاز ثقة أهلته دستوريا بأن يتولى شؤون السلطة التنفيذية، فكيف يقوم وزير بتقديم برنامجه السياسي الخاص ولأية جهة يقدمه ومن يفهم دستور بلاده ويطلق مثل هذه التساؤلات والمطالب؟!..
في دولة القانون والمؤسسات لن يضيع حق أحد، وهذا ما يجب أن يفهمه الذين ينساقون على غير علم في حملات التشكيك واطلاق الأحكام الاستباقية، غير آبهين بمشاعر الناس الذين يعانون حالات الحزن والأسى..
نهاية القول هي ما قاله نائب رئيس الوزراء أمس، وهو التزام الحكومة بحقوق المواطنين الضحايا وذويهم، والتزامها بالإجراءات القانونية القضائية، واستعدادها لتنفيذ كل ما يقع ضمن مسؤوليتها وواجبها الوطني والدستوري، فالأمر ليس مجرد حملة اعلامية دعائية مسعورة لا تلتزم بقانون ولا بأخلاق، إنما هي حادثة كبيرة وفيها ضحايا ويترتب عليها حقوق، ومثل هذا لا يمكن للحصيف أن يجمله ويحسمه في تعليق أو مقالة أو حديث اذاعي او تلفزيوني أو تعليق سخيف غير مسؤول عبر هاتف أو شاشة كمبيوتر.
ارحموا الناس من شجاعتكم الإلكترونية، ويكون جميلا منكم لو تفهمون بأننا لا نريد عبقرياتكم في مثل هذه الظروف، فاحترموا الأرواح البريئة التي صعدت الى السماء والأرواح الحزينة التي تجتر الألم جراء فقدها عزيزين عليها.
نسأل الله الشفاء للمصاب الآخر الراقد في المستشفى، والرحمة لزملائه الشهداء جميعا.