ضحايا “9/11”..!

علاء الدين أبو زينة

حرير- سوف يقول الأميركان والغربيون أن هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في نيويورك خلفت 3.000 قتيل. وسوف يصورون الهجمات على أنها أبشع جريمة قتل جماعي في تاريخ البشرية –خاصة وأن الذين ارتكبوها همجيون. ولم يكن الضحايا هذه المرة همجيين آخرين، وإنما المتحضرون الذين كان ذنبهم محاولة تنوير البدائيين والأخذ بيدهم –حتى بقسوة الآب المحب- إلى الحضارة.

وبطبيعة الحال، لا يسمح المنطق التاريخي بالتسامح مع اجتراء الناكرين للجميل وكارهي المدنية الذين يحسدون الغرب على امتيازاته الإلهية، على سادتهم. في نهاية المطاف، يساوي الغربي ألفا، عشرة آلاف، بل ومائة ألف من المتخلفين الوقحين. قبل ذلك، لم يقل الانتقام الأميركي لضحايا هجوم “بيرل هاربر” الياباني عن حرق مدينتين يابانيتين كاملتين بسكانهما بالقنابل الذرية. والآن يجب أن يكون الثأر أفظع وأن يتعلم الكوكب كله الخضوع، بالدم والألم والدموع وخراب الديار.

في مقال حديث، كتب الأميركي نورمان سولومون: “كان يُعتبر ضربا من الهرطقة تقريبا أن يتنبأ أحد بأن مثل هذا العقاب سيتسبب في موت عدد من الأبرياء أكبر بكثير مقارنة بضحايا القتل الجماعي في 9/11”. وقد بلغ عدد القتلى المباشرين وغير المباشرين خلال 22 عاما من الحرب التي ما تزال مستمرة “على الإرهاب” ما بين 4.5 و4.7 مليون إنسان، وهم في ازدياد.

كان من المستحيل أن لا يسقط في هذا الجهد الانتقامي الكبير عدد آخر من الأميركيين ليضاف إلى قتلى نيويورك. وهكذا قتل أكثر من 7.050 جندي أميركي في حروب أميركا الجديدة. ويقدر أن 8.189 من المتعاقدين العسكريين الأميركيين قتلوا أيضا فيها. كان هؤلاء في نهاية المطاف أضحيات ضرورية قدمتها الأمة الأميركية على مذبح إله الحرب حتى تظل سيدة الحرب.

جاءت هذه الأرقام كجزء من النتائج المهمة التي خلص إليها “مشروع تكاليف الحرب” في جامعة براون الأميركية. وقد درس المشروع “الحرب على الإرهاب” بشموليتها وآثارها المباشرة وغير المباشرة، ليكشف عن فظاعتها. ففي حين أن أكثر من 432.000 مدني قتلوا في أعمال العنف المباشرة التي ارتكبتها جميع الأطراف، توفي ما يقدر بنحو 3.6 إلى 3.8 مليون مدني بشكل غير مباشر في مناطق حرب ما بعد 11 أيلول (سبتمبر). كما أسفرت صراعاتها عن نزوح وهجرة نزح 38 مليون شخص في أفغانستان، وباكستان، والعراق، وسورية، وليبيا، واليمن، والصومال والفلبين.

ومن الواضح أن العرب هم الهدف الرئيسي لهذه المذبحة المستمرة. وما تزال الولايات المتحدة تنشط في “مكافحة الإرهاب” في 85 دولة، مما يجعل نطاق هذه الحرب يشمل جميع أنحاء العالم.

أشار تقرير جامعة براون إلى أن حروب ما بعد 11 أيلول (سبتمبر) ساهمت بشكل كبير في تغير المناخ، حيث تُعد وزارة الدفاع الأميركية واحدة من أكبر المتسببين بانبعاثات الغازات الدفيئة في العالم. كما صاحب الحروب تآكل في الحريات المدنية وحقوق الإنسان في داخل أميركا وفي الخارج. وقد استغلت الأنظمة الاستبدادية –حتى في المنطقة المستهدفة- “الحرب على الإرهاب” لتبرير قمعها للمعارضة وفرض رقابة صارمة على الأنشطة والمشاركات في وسائل التواصل الاجتماعي.

وبشكل خاص، كثف الكيان الصهيوني هجومه على الفلسطينيين المطالبين بحقهم الشرعي حسب القوانين الدولية، بحجة “محاربة الإرهاب”.

وحتى في محاولة التكحيل الظاهري لتداعيات الحرب، جاء المزيد من العمى بذهاب معظم التمويل الحكومة الأميركية لجهود إعادة الإعمار في العراق وأفغانستان إلى تسليح قوات الأمن في البلدين. وبسبب “فلة الحكم” التي صنعتها الاحتلالات الأميركية، ضاعت الكثير من الأموال المخصصة للإغاثة الإنسانية وإعادة بناء المجتمع المدني بسبب الاحتيال والهدر وسوء الاستخدام.

لدى وضع هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في السياق، سيتبين أنها كانت نتيجة جعلوها السبب. أشار إلى هذه الحقيقة بوضوح جو لوريا، رئيس تحرير الموقع الإخباري “‏‏كونسورتيوم نيوز”. وتساءل لويا عن السبب في تجاهل المسؤولين الغربيين ووسائل الإعلام تفسير ما يصور على أنه حقد على الغرب لمجرد أنه الغرب. ويكتب لوريا: “‏يبدو أنها محاولة للتغطية على تاريخ طويل وأكثر كثافة من التدخل العسكري والسياسي الغربي في الشرق الأوسط وردود الفعل العنيفة التي يثيرها؛ ردود الفعل التي تعرض حياة الغربيين للخطر. يتم قمع الحديث عن المسؤولية الغربية غير المباشرة في هذه الأعمال الإرهابية بشكل روتيني، ناهيك عن ‏‏الأدلة‏‏ على تورط الغرب المباشر في الإرهاب”.‏

‏ويضيف: “يخدع بعض المسؤولين الحكوميين والصحفيين أنفسهم بالاعتقاد بأن التدخل الغربي في الشرق الأوسط هو محاولة لحماية المدنيين ونشر الديمقراطية في المنطقة، بدلاً من كونه سببا في جلب الفوضى والموت لتعزيز أهداف الغرب الإستراتيجية والاقتصادية”. ويستعرض لوريا السلسلة المتواصلة من التدخلات العدوانية للغرب في منطقتنا، من الاستعمارات، إلى “سايكس بيكو” وإنشاء دول مصطنعة المحكومة بأنظمة يشرف عليها الغرب ويثبتها أو يغيرها بالتدخل المباشر عند الضرورية، وإلى زرع ودعم الكيان الصهيوني الاستعماري في قلب العالمين العربي والإسلامي.

في السياق الأوسع، كان ضحايا 9/11 من المدنيين الأميركيين، والانتحاريين الذين نفذوا الهجوم، ضحايا للسياسات التدخلية الغربية المستمرة في العالم العربي والإسلامي. وكانوا جزءًا فقط من كوكبة الضحايا قبل 9/11 وبعده لنزعة الهيمنة المتأصلة في الذات الغربية المتضخمة ومدعية العصمة.

مقالات ذات صلة