في ذكرى الاستقلال..الأردن إلى أين؟! … فهد الخيطان

كلما تحل ذكرى استقلال الأردن تنهال الأسئلة عن التحديات التي تواجهنا، والمخاطر المتربصة بنا.ثمة فريق من المحللين والسياسيين يكررون منذ سنوات طويلة نفس التوقعات المتشائمة لمستقبل الدولة الأردنية ونظامها السياسي، ويصوغونها على شكل سؤال طالما كان عنوانا لمقالات وندوات ومحاضرات؛”الأردن إلى أين؟”.

وفي مراجعة سريعة لتقديرات أصحاب تلك الأقلام وعلى مدار سنوات ماضية، تجد على الدوام عبارة متكررة في”أطروحاتهم”، مفادها أن التحديات الماثلة “غير مسبوقة”وأن النظام السياسي الأردني لن يخرج منها أبدا!

من ينكر التحديات والتهديدات التي تواجه الأردن في هذه المرحلة، إما جاهل أو ساذج لا يفقه شيئا في علم السياسة والاقتصاد.

الأردن وسط إقليم عاصف، يعاني من فوضى وحروب، ويفتقد للحلفاء الموثوقين، ويعيش ظروفا اقتصادية صعبة، ولا يملك كسائر الدول القدرة على التنبؤ بمسار التحولات في محيطه، لا بل في العالم كله، الذي يعيش زمنا فوضويا بفعل السياسات المرتجلة والصاخبة لأقوى دولة فيه؛ أميركا، وعودة متسارعة لزمن الحرب الباردة، ومنطقتنا هي أبرز ميادينها.

لكن من قال إن هذه هي المرة الأولى التي نشعر فيها بالوحدة وتداهمنا المخاطر من كل الاتجاهات، العقود السبعة من عمر الدولة الأردنية هي سلسلة متصلة من تحديات الوجود، التي بلغت في بعض المراحل حافة الهاوية.

في خمسينيات القرن الماضي، تخلى الإنجليز عن دعم الأردن، ولم تكن الولايات المتحدة قد أيقنت بعد بمبرر وجودنا. في الأثناء كانت دول كبرى في المنطقة مصممة على الاستحواذ على الأردن. كان جل الساسة باستثناءات محدودة ومعهم عسكريون كبار يدينون بالولاء لأنظمة عربية وأجنبية.

كان كل شيء مهيأ للتغيير الجذري في الأردن، لكن بعبقرية فريدة اجتازت الدولة أول وأخطر اختبار وجودي.

في الستينيات، فقدت المملكة نصف أراضيها، وانهار جيشها بشكل شبه كلي. بعد أقل من عام على الهزيمة العربية الموجعة، وقف الجيش العربي في وجه القوة الغاشمة، وسجل أول انتصار عربي على جيش العدو الإسرائيلي.

النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، شهدت المملكة اضطرابات أمنية غير مسبوقة. العاصمة عمان كانت خارج السيطرة، ومعظم مناطق شمال البلاد سقطت في يد قوات دولة عربية مجاورة، فيما قوات تابعة لدولة ثانية في شرقي البلاد كانت تتحضر لدخول العاصمة وإسقاط النظام.

انجلت الغمامة، واستعادت الدولة سيطرتها على كامل التراب الأردني. كان الثمن باهظا؛ شهداء وتضحيات وانهيار اقتصادي، وخسارة زعيم وطني بوزن الشهيد وصفي التل.

منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا لم تتجرأ قوات دولة عربية أو اجنبية على اجتياز حدودنا، بينما دول من حولنا تستبيحها القوات الأجنبية الغازية والطامعة.

استقرت الأوضاع لعقد من الزمن، ثم وجدنا أنفسنا مطلع التسعينيات في عزلة عربية ودولية لا مثيل لها إثر موقفنا من غزو العراق للكويت. الموقف الذي صاغته النخبة الأردنية ذاتها التي تطلق تحذيراتها اليوم من خطر العزلة والتهميش على مستقبل الأردن!

بصعوبة تمكنا من اجتياز هذه المرحلة، لنفاجأ بعدها بصفقة “اوسلو” التي ضربت صميم العلاقة الأردنية الفلسطينية، وفرضت على الملك حسين رحمه الله، التحرك سريعا والقبول بخيارات لم يكن ليقدم عليها لولا”أوسلو”، في وقت كانت فيه البلاد تترنح بأزمة اقتصادية فجرت أعنف هبة شعبية، بعد أن تكشف إفلاس الخزينة وانهيار العملة. لكن تحولا عميقا في نهج الإدارة مكننا من اجتياز المرحلة باقتدار.

بعد الغزو الأميركي للعراق، قيل إن الأردن سيكون ضحية “الشرق الأوسط الجديد”. تبدلت أوضاع دول عربية كثيرة، لكن خريطة الأردن لم يطَلها شيء.

“الربيع العربي” آخر محطات المواجهة. نفس المحللين والخبراء قالوا قبل سبع سنوات ما يرددونه اليوم عن سقوط وشيك للدولة، واستعد بعضهم لتولي مناصب رفيعة في دولة الفوضى الموعودة.

مرت الزوبعة، ولم يكلف أحدهم خاطره لينتقد طروحاته أو يراجعها على الأقل. الأرجح أن المحذرين من الخراب في الأردن يعبرون عن أمانيهم الشخصية، وإلا كيف لهم أن يتجاهلوا التاريخ.

مقالات ذات صلة