رقعة في ثوب قديم … د. صبري الربيحات

الحكومة تعلق آمالا كبيرة على مشروع قانون الضريبة باعتباره أحد الحلول للمشكلات الاقتصادية المستعصية، وبالمقابل لا يرى الشارع في القانون أكثر من محاولة أخرى في سلسلة الإجراءات التي تفتقر لرؤية شمولية للاقتصاد وعلاقته بالسياسة والإدارة والأمن والتسهيلات الجاذبة.

إصرار الحكومة على البحث عن الحلول لمالية الدولة من خلال التسعير للسلع وزيادة الضرائب وتحسين آليات التحصيل من دون الاهتمام بسياسات واضحة لإدارة الموارد وهيكلة المؤسسات وتحسين الإدارة والخدمات وضبط الإنفاق، يضعف الثقة في قدرتها على تشخيص الواقع والتعاطي مع المتغيرات وما فيه من تداخلات وتعقيدات.

البعض يرى أن الحكومة استندت الى منطق محاسبي يقوم على رفع الواردات من خلال التحصيل والجباية، متجاهلة أثر كل ذلك على النمو والاستثمار وتراجع التحويلات الأجنبية وهجرة رأس المال الوطني الذي بدأ بالانتقال الى بلدان أكثر جذبا مثل تركيا وقبرص واليونان وغيرها.

الجدل الدائر حول مشروع قانون الضريبة ومواقف الأطراف المختلفة منه لا يقتصر على المشروع الذي لا يعرف البعض ممن يعارضونه فحواه ولا يملك من عملوا على صياغته تقييما موضوعيا شاملا للآثار التي يمكن أن يحدثها إذا ما تم إقراره على الاقتصاد والاستثمار وحياة ومداخيل الأسر والأفراد.

الكثير من الجدل الدائر يتم في أجواء يسودها التشكيك والتوتر وسط حالة من التدهور في الثقة المتبادلة بين الحكومات والشعب والتي بدت جلية في آخر استطلاعات للرأي العام. فالناس لا يرون في سلوك الحكومات وسياساتها ما يبرهن على أنها معنية بضبط الإنفاق أو تحسين الأوضاع المعيشية لهم.

يستغرب المواطن الأردني الذي يدفع أكثر من سبعين نوعا من الضرائب والرسوم ويواجه موجات متتالية من رفع الأسعار ويطالب اجتماعيا بتحمل تبعات ارتفاع معدلات البطالة بالإنفاق على الأقارب العاطلين عن العمل ومساعدتهم نيابة عن الحكومة، أن ينظر له باعتباره يأخذ أكثر مما يعطي.

لا أحد يشك بأن هناك شرائح وقطاعات وأفرادا ممن نجحوا في إدامة علاقات خاصة مع أجهزة التحصيل والرقابة والمتابعة لدرجة مكنتهم من الالتفاف على الأنظمة والإجراءات الضريبية وتجنب دفع ما عليهم من مستحقات بفضل ما يحظون به من رعاية وحماية من قبل بعض ضعاف النفوس.

لسنوات متتالية، ولأسباب ليس أقلها تدهور الحس بالمسؤولية وضعف آليات المحاسبة والرقابة، كانت العديد من المنشآت الاقتصادية الرابحة تقدم للضريبة بيانات وهمية تظهر خسارتها في الوقت الذي تخفي فيها البيانات الحقيقية كل ذلك بمعرفة الخبراء الذين يجري شراء ذممهم مقابل 5 %، مما قد يترتب عليهم للدولة لو وجدوا من يغلب مصلحة الدولة والبلاد على مصالحهم الفردية.

محاولات تطوير منظومة النزاهة وملاحقة الفساد وإصرار البعض على ربط التبليغ بوجود وثائق وبيانات وزج مصطلحات اغتيال الشخصية وغيرها من المثبطات والعقبات، حالت دون ردع المئات ممن تحولوا من موظفين بإمكانات محدودة الى أصحاب فلل وقصور ومصالح وأعمال لا تبررها الدخول المتواضعة للعاملين في القطاع العام.

التهرب الضريبي ظاهرة تواجهها العديد من دول العالم، والحل لا يكمن في تقديم تشريعات جديدة، خصوصا إذا كان التطبيق للتشريعات القائمة يحتاج الى مراجعة وتفعيل. وجرد التشريعات العادلة والرادعة ضروري، لكن التشريعات تترجم سياسات والسياسات تستند الى افتراضات عن الإنسان والنظام العام ونظرة كل منهما الى الآخر.

في الأردن، يبدو أن الحكومة تفترض أن الناس لا يدفعون ضرائب بالقدر الكافي، في حين يعتقد الناس بأنهم يدفعون أكثر بكثير مما يتلقون من خدمات وتسهيلات. بالمقابل يفترض الناس بأن الحكومات لا تقوم بما يكفي من إجراءات لملاحقة الفاسدين والمتهربين واستثمار الموارد وتشجيع الاستثمار وأنها تستهل الجباية على التحفيز الاقتصادي. وسط هذه الافتراضات المتضاربة وتجاهل كل طرف آراء الطرف الآخر عوامل ستخلق مزيدا من التصدعات في علاقة هشة.

مقالات ذات صلة