هل أرادت كييف اغتيال بوتين؟

أحمد رحال

حرير- أعلنت موسكو عن اختراق ثلاث طائرات مسيّرة الحدود الروسية، ووصول اثنتين منها إلى قبة الكرملين في العاصمة، قبل تفجيرهما، واصطيدت الثالثة في ضاحية كولومنا (100 كم من الكرملين).

هل تملك أوكرانيا القدرات العسكرية والفنية على إيصال طائرات مسيرة (درون) إلى موسكو التي تبعد مسافة 500 – 550 كم عن الحدود الأوكرانية؟ نعم، يمكن للجيش الأوكراني القيام بذلك، ولديه قدرات عسكرية متطوّرة في مجال الطيران المسيّر، وسبق واستخدمها، وغرف عمليات الجيش الأوكراني قادرة على التحكّم بالمسيّرات إلى مسافة تصل إلى حوالي 800 كم.

هل هناك فاعلية لعملية عسكرية تستهدف رئيس دولة من الدول المتقدّمة عسكريا، وخصوصا في أنظمة الدفاع الجوي، لأن تخطط لتنفيذ عملية هدفها اغتيال رئيس دولة عظمى، كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ الأمر غير وارد، وغير منطقي، ولا يمكن لبضع طائرات مسيّرة بسيطة، قيمتها بضعة آلاف من الدولارات، وبدون أي جهد استخباراتي مرافق، أو تعاون مع الداخل، القيام بتلك العملية. ومن الصعوبة أن يكون لتلك العملية أي فرصة للنجاح.

السؤال الأهم: هل الأمر وارد في ذهن صانع القرار العسكري أو السياسي الأوكراني؟ تقول المعلومات إن جنرالات الجيش الأوكراني وضعوا خططا وسيناريوهات للتأثير على مواقع الروس حتى خارج الساحات الأوكرانية، وأن خطة عسكرية صيغت أخيرا بعناية فائقة، لمهاجمة أهداف روسية في الداخل الروسي، عبر التحالف مع الجيش الوطني أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لكن الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، رفض توقيعها واعتمادها، لأن هناك تحفّظاً تركياً على الخطة، ولأسبابٍ تخصّ علاقة موسكو مع أنقرة، وتخصّ سلامة الجنود الأتراك في داخل سورية، وأن تركيا ترفض وصول أي تقنياتٍ عسكريةٍ متطوّرة إلى أيادي “قسد” يمكن أن تستخدم لاحقاً ضد تركيا.

نسب رئيس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين الهجوم لأوكرانيا، واعتبره محاولة لاغتيال بوتين، وطالب بوضع كل القيادات الأوكرانية، السياسية والعسكرية، على قوائم الإرهاب، متناسياً أنه جرى، مع بداية الحرب، الدفع بمجموعات من مرتزقة “فاغنر” الروسية التي يقودها يفغيني بريغوجين (صديق بوتين)، وأنها أٌعطيت مهمة اغتيال زيلينسكي. أما الجيش الروسي فاعتبر الهجوم فرصة لزيادة جرعة القصف، فدفعت مدينة خيرسون جزءاً من فاتورة الانتقام، عندما استهدفها قصف صاروخي روسي أدّى إلى مقتل 14 مدنياً أوكرانياً على الأقل، رغم أن القيادة العسكرية الروسية أعلنت احتفاظها بحقّ الردّ في الزمان والمكان المناسبين.

لافتٌ أن عملية الطيران المسيّر فوق الكرملين جاءت قبل استحقاقين مهمين وللجانبين، فالجيش الأوكراني يهيئ لهجومٍ معاكس على طول خطوط التماسّ، يترافق مع دعم عسكري غربي بالأسلحة والعتاد والذخائر لا يُستهان به، وقد يغيّر هذا الهجوم التوازنات العسكرية الحالية على الجبهات لصالح الجيش الأوكراني. وتأتي العملية قبل أيام من استعداد الجيش الروسي والقيادات السياسية للاحتفال بعيد النصر (9 مايو/ أيار) في الساحة الحمراء، وبوتين والجيش بحاجة لإنجازٍ يٌقدم للشعب في المناسبة، فلمَ لا تكون عملية الاغتيال المزعومة، والتي قد تكون من فبركات الاستخبارات الروسية، فرصة لمنح الروس ذريعة استخدام أسلحة نووية تكتيكية، عبر ضربات استباقية روسية، تصنع نصراً يٌقدم بعيد النصر، وتجهض من خلالها التحضيرات الأوكرانية لهجومٍ معاكس تتخوّف منه موسكو؟

تحدّثت تقارير استخباراتية أوكرانية، أخيرا، عن تفسّخ في الجبهة الداخلية الروسية، وأن الروس الذين انتقلوا للعيش في شبه جزيرة القرم عادوا إلى روسيا، وتحدثت التقارير عن توجّه عسكري روسي لسحب سفن أسطول البحر الأسود الروسي من مدينة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم باتجاه الموانئ الروسية في أنابا ونوفوروسيسك لحمايتها، بعد ضربات صاروخية أوكرانية موجعة وقعت على أراضي شبه جزيرة القرم وموانئها.

لخّص الموقف الأميركي من هجوم الكرملين وزير الخارجية بلينكن بقوله إن روسيا فشلت استراتيجياً، وأثق بقدرة أوكرانيا على استعادة أراضيها. وعلى أرض الواقع، عكست الولايات المتحدة استراتيجيتها قولاً وفعلاً، أنها ودول حلف الناتو لن تمنح أوكرانيا تجهيزاتٍ وذخائر عسكرية هجومية لتجنّب الصدام مع روسيا، ولعدم دفع بوتين إلى جعل خيارات النووي أو سواها خيارا أوحد لمنع الهزيمة لجيشه. والواضح وشبه المؤكد أن هناك صعوبات لدى روسيا بتقديم إنجازات عسكرية لشعبها بعد أكثر من 15 شهراً من حرب على أوكرانيا استنزفت الكثير من جيشها وجل اقتصادها.

كيف قطعت طائرات “الدرون” الأوكرانية (كما تقول موسكو) مسافة 500 كم داخل الأراضي الروسية من دون أن تكتشفها منظومات الدفاع الجوي الروسية؟ وهل تمت عملية تفجير المسيّرات المهاجمة فوق الكرملين مصادفة؟ لمَ لا تكون تلك المسيّرات تحرّكت وانطلقت من الداخل الروسي بعملية اغتيال داخلية من جنرالات في الجيش الروسي أو الاستخبارات الروسية (مثلاً)، وأن قصر مسافة الطيران صعبت على وسائط الدفاع الجوي اصطيادها إلا في المراحل الأخيرة لطيرانها؟ أو أن تكون كل “الطبخة” معدّة داخلياً وبتوظيف منسق لجعلها سبباً يحتاجه الجيش الروسي في هجومه القادم عبر استخدام أسلحة وذخائر قد تكون ممنوعة؟

يبقى القول إن الجيش الروسي، وعبر مراجعة بسيطة لعملياته أخيرا، سواء في الشيشان أو سورية أو أوكرانيا، أثبت أنه قادر على القتل والتدمير، لكنه غير قادر على صياغة خطة عسكرية حقيقية وتحقيق أهدافٍ يحتاجها القائد السياسي الأعلى.

مقالات ذات صلة