شهداء الرغيف… أحمد حسن الزعبي

 

كأس مملوء بالثلج هو ردّة فعل الدولة على حريق صوامع القمح في العقبة الذي راح ضحيته خمس وفيات لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا ينحتون خبز عيشهم هناك..اسبوع كامل ،والحكومة في غيبوبة “الضريبة” و”الريبة” ، لا استقالة، لا تحقيق، لا اعتذار ، ولا حتى “جبر خاطر” لذوي المتوفّين..ليثبت الفقير من جديد انه الحطب المبلول بعرقه حيث لا دخان له ولا نار..

موت الفقير في بلدي، مثل سقوط كوب زجاج، تجمع شظاياه بمكنسة الوقت ويوضع بديله على الفور فوق طاولة الخدمة ، موت الفقير في بلدي كانقطاع الزرّ الاحتياطي أسفل “جاكيتاتهم” بما انه لا يشوّه المنظر فلا بأس لو فقدناه أو قطعناه مع سبق إصرار وترصّد..هو حدث لا يستدعي الشعور بالذنب ، كالمشي فوق أعناق العشب أو خنق آخر السيجارة في المطفأة..

لأنهم فقراء ، لم تتحرّك سيارات “الفور ويل” من عمّان الى الأغوار الجنوبية والعقبة لأخذ واجب العزاء، لأنهم فقراء، لم يتزاحم رؤساء الوزراء على باب الصيوان من منهم يدخل أولاً ، ومن منهم يجلس قرب والد الشهيد، لأنهم فقراء لم تسمع قصور دابوق وعبدون ودير غابر والحمّر صوت بكاء أطفالهم البعيد ،ولا صوت أمهاتهم المخنوق ،ولم تتكلّف الصحافة الذهاب الى بيوت العزاء لنقل صور الوجع هناك…ببساطة لأن المسؤول الكبير لم يذهب هناك..والكاميرات تتبع خطاه لا حزن الناس..

ماذا لو كان من بين المتوفّين “بريطاني” أو “أمريكي” هل ستتعاطى الدولة بنفس البرود واللامبالاة والصمت وتصغير الحدث؟..ماذا لو كان أحد المتوفين يملك بشرة أخرى لم تلوّنها شمس الأغوار،ويملك لغة أخرى غير لغة الصمت هل ستبقى الأبواب المؤصدة تتابع الزفاف الملكي في بريطانيا ولا تتابع جنازات التشييع في بلدي ..

ستبقى إنسانيتنا مشوّهة ما دمنا نقيّم الانسان على انه (رصيد،سلالة،منصب،وجنسية) ، ستبقى إنسانيتنا مشوّهة ما دمنا لا ننحني لشهداء الرغيف أينما وجدوا ،ستبقى إنسانيتنا مشوّهة ما دمنا نمايز بين انسان وانسان..

ليس خبز الشعير وحده في بلدي “مأكول مذموم”…الفقير كذلك..

مقالات ذات صلة