ما لم يسقط في المونتاج!… نادر رنتيسي

قبل عشرة أعوام، اجتمع سبعة أبطال في مسلسل جماهيري، وبعد عشرة أعوام صار لكلّ بطل مسلسل. الجمهور بالطبع انقسم سبع تقسيمات غير عادلة. كلّ بطل ذهب إلى “خيّاط” أقصد كاتباً، لـ”تفصيل” وبالطبع أعني “تكييف” قصة أعزب على شاب في الخمسين، تلحُّ عليه أمه التي ما تزال في الخمسين، أنْ يتزوج العروس القمر الرابع عشر، تلك الشابّة الرفيعة التي دوّخت شباب الحيّ والأحياء المجاورة.. هي في سنة أخيرة تجارة، ولديها طموحات مهنية تدفعها لتأجيل فكرة الزواج، رغم أن ويكيبيديا الفاضح يفيد أنها من مواليد “الوكسة”، وأعني بالطبع النكسة!

بدلاً من الحرب صار لدينا سبع حروب، لكلّ حرب “مخرج” وأيديولوجيا، ولديه أيضاً مساعد صبور على الأيديولوجيا نفسها، وفي رمضان المقبل هو من سيُخرج، بأيديولوجيا أخرى، الحرب الثامنة. نشأت قصص حب مشتركة، فقد اكتشف العرب أنهم “أمة واحدة” ويمكنهم التفاهم بلهجات بيضاء فيها قليل من التلوث، بل يمكن أيضاً أن تحدث بينهم خيانات زوجية ولا يحدث أيّ خدش في “القومية”، ولمزيد من مواكبة الأحداث التي تمشي في شريط الأخبار العاجلة، يضاف “إرهابي” يأتي من بلد مجاور، ويصبح مذيع النشرة ممثلاً، والسياسيُّ “ضيف شرف”، لا ضير إن سقط في المونتاج!

ما تزال “يسرا” المرأة الطيّبة، المستنسخة من الملائكة، فيمكن وضعها على الجروح المستعصية لتبرد، وعادل إمام وطني مخلص و”مكشوف” يعرف ما بين المواطن ودولته والرجل وزوجته، أما يحيى الفخراني فلا يحتاج سوى لتكرار ابتسامته ولوازمها، لتمرير كل اللامنطق في حكاية “السفير الأكول”. “الكبار” كلهم طيبون، ووطنيون، والذي في جيوبهم ليس لهم. تقلّبُ الفضائيات لتبحث عن رجل صعيدي، كان مرة عمدة يبيع أرضه، و”باشا” يتلقى الصفعات من غريمه، شوهد مرة فنان “أرابيسك”، واشتهر زمانه بـ”زمن حسن النعماني”، يجلس الآن في عزلته مريضاً، فقد غادر “الأصدقاء” و”انصرف الصحابة”.

“الصغار” كلهم أشدّاء، ولديهم عضلات مفتولة، يسددون الضربات شبه القاتلة لكومبارس يتألمون قبل الضربة، ولا يُسمح بتوجيه سوى صفعة واحدة للبطل الصغير، تكون في الغالب أسفل العين، على أن توضع ألوان ازرقاق تزول في المشهد التالي. كل “الصغار” يتحمّلون وجع إخراج الرصاصة من الساق، بعد أن يمشوا مئات الأمتار وهم يظنون أن النزيف تعرُّقٌ زائد. يدخنون ولا يسعلون، يُحبون ولا يُصدّون، يبتسمون ولا يضحكون ولا هم يحزنون. لحى مهملة لضرورات الإقناع الدرامي، وعبوس مبالغ فيه لإضفاء “شخصية” على الشخصية، ورمي نزق للسيجارة قبل المعركة، وكل ما يبيح التساؤل: أهم خريجو “المعهد” أم “الجيم”!

أعمال مكتوبة ومنجزة مثل الطعام المتأخّر، الملح حتماً سيكون ناقصاً، والفلفل زائداً، والبهارات على الأرز عشوائية. عشرات الأطعمة ستكون على طاولة السفرة، بالنسبة لي فقد فضّلتُ الطعام قليل الملح، لضبط الضغط. “الخياطون” ولا أقصد هنا الكُتاب، لا يمكن الوثوق في عملهم في مواسم الأعياد، فالمطلوب تقصيره يُقصّرونه أكثر من اللازم، والضيق يصبح فضفاضاً، والقميص قفطاناً. و”الكتّاب” ولا أقصد هنا “الخياطين” لا يمكن النظر بجديّة لأعمالهم إذا كان الهاتف المحمول مفتوحاً أثناء الكتابة، ويكون “الزبون” على الطرف الآخر يطلبُ تقصير الكُمّ وإطالة البنطلون، وإلغاء الياقة.. وإضافة جيب يفضي للجزء الثاني!

مقالات ذات صلة