الكلام الإسرائيلي عن التطبيع مع السعودية

رندة حيدر

حرير- من يتابع الآراء والمواقف الإسرائيلية من الاتصالات الأميركية السعودية بشأن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، لا يمكن إلا أن ينتبه إلى كمية التشكيك والمخاوف وعدم الثقة في نيات الإدارة الأميركية وأهدافها من العملية التفاوضية، وإلى التضخيم الإسرائيلي لمخاطر تلبية المطالب السعودية في هذه المفاوضات التي باتت معروفة، لا سيما المتعلقة بالموضوع الفلسطيني. وفي ظل هذه المخاوف والشكوك، تحوّل التطبيع مع السعودية الذي كان أحد الأهداف الأساسية لنتنياهو، عقب تشكيله حكومته اليمينيّة الحالية، إلى أكبر تهديدٍ قد يؤدّي إلى انهيارها.

يشكّك إسرائيليون في التوقيت الأميركي لعملية التفاوض على التطبيع، ويربطونه بتسريبات عن توصل الأميركيين والإيرانيين إلى تفاهماتٍ واسعة بشأن اتفاق نووي شبيه بالعائد إلى عام 2015 مع تغييرات جزئية ومؤقتة. ويرى أكثر من محلل إسرائيلي في المحادثات مع السعودية محاولة من إدارة الرئيس بايدن تمرير الاتفاق مع إيران المثير للجدل، والذي تعارضه إسرائيل بشدّة، من خلال التوصل إلى اتفاق موازن على تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، يمكن أن يخفّف من تداعيات الاتفاق النووي عليهما، ويحتوي المعارضة الإسرائيلية له، ويشكل أيضاً إنجازاً لإدارة بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2024.

من ناحية أخرى، نقرأ كلاماً إسرائيلياً كثيراً عما يسمّونه “تداعيات” تلبية الولايات المتحدة المطالب السعودية، مثل عقد حلف دفاعي سعودي أميركي، وشراء سلاح أميركي متطوّر، وحصول المملكة على قدراتٍ نووية لأهداف سلمية. وما يمكن قوله عن مخاوف إسرائيل من أن يؤدّي حصول السعودية على سلاح متطوّر، خصوصاً طائرات إف – 35، إلى إلحاق الضرر بتفوّقها العسكري بأنها من باب التهويل والكذب المطلق في ضوء الأرقام التالية: تملك إسرائيل حالياً، وفقاً لموقع غلوبوس الإسرائيلي، 50 طائرة إف – 35، وتنوي وزارة الدفاع الإسرائيلية شراء 25 طائرة جديدة من هذا الطراز بقيمة ثلاثة مليارات دولار ستؤخذ من أموال المساعدة العسكرية الأميركية المخصّصة لإسرائيل، ما يرفع أسطول طائراتها إلى 75 طائرة إف – 35؛ بينما كل ما لدى السعودية اليوم طائرات إف – 15 القديمة. فكيف يمكن، في ظل عدم التوازن الكبير في موازين القوى، أن يهدّد حصول السعودية على سلاح متطوّر التفوق العسكري الإسرائيلي؟

أما ما يثير فعلاً الاستغراب والدهشة، فهو التخوّف الإسرائيلي من حصول السعودية على قدرات نووية للاستهلاك المدني، والكلام عن احتمال أن تستغلّ السعودية ذلك للحصول على قدرات نووية عسكرية. إذ كيف يمكن لإسرائيل، وهي التي تملك، بحسب معهد ستوكهولم للسلام، أكثر من 90 رأساً نووياً، الخوف من حصول السعودية على قدرات نووية للاستخدام المدني؟

وإذا كان ما سبق من باب التهويلات والمبالغات للحصول على مقابل من الأميركيين، فإن التخوّف الإسرائيلي الحقيقي هو من مطالبة كل من السعودية والإدارة الأميركية إسرائيل مقابل التطبيع تقديم تنازلاتٍ في الموضوع الفلسطيني، والكلام يدور عن “رزمة فلسطينية” سيتضمّنها أي اتفاق على التطبيع. وبعد تصريح نتنياهو بأن الرياض ليست مهتمة فعلاً بإحراز تقدّم في الموضوع الفلسطيني، ولا تعتبر ذلك شرطاً للتطبيع، كان الرد السعودي تعيين سفير غير مقيم في رام الله وقنصل عام في القدس الشرقية. وبات واضحاً أكثر فأكثر أن اتفاقاً إسرائيلياً – سعودياً لن يكتفي بتعهدات إسرائيلية فضفاضة بعدم القيام بخطوات ضمٍّ لأراضٍ في الضفة الغربية، كما جرى في اتفاقات أبراهام مع الإمارات والبحرين، بل سيشمل خطواتٍ ملموسة وعملية على الأرض، مثل تعهد إسرائيلي بتجميد البناء في المستوطنات، وإخلاء بؤر استيطانية غير قانونية، ومنع الجيش الإسرائيلي من دخول أراضي المنطقة “أ” الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وحتى نقل أراضٍ من المنطقة “ج” إلى السلطة الفلسطينية، وإعادة إحياء حلّ الدولتين. وفي ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تسيطر عليها أحزاب اليمين الاستيطاني المسياني الذي يعمل على توسيع البناء في المستوطنات، وشرعنة بؤر استيطانية “غير قانونية”، والعمل على ضمّ تدريجي وزاحف للضفة الغربية، لا يمكن لأي من هذه المطالب أن يرى النور. وسيكون الثمن انهيار الحكومة وأزمة سياسية جديدة في إسرائيل، إلى جانب الاحتجاج على التشريعات القضائية الذي قسّم المجتمع الإسرائيلي، وفاقم في الخلافات الداخلية بالحكومة الحالية.

يواجه نتنياهو وحكومته تحدّياً كبيراً، فإذا كان فعلاً يريد نتنياهو تحقيق اتفاق تاريخي مع السعودية يفتح الباب أمام إسرائيل إلى اتفاقات مع دول عربية وإسلامية أخرى، يبدو أن لا مناص له من التخلّص من شركائه المتطرّفين، والعودة إلى التفكير بمسار سياسي مع الفلسطينيين (يتحدّث إسرائيليون عن اتفاق انتقالي ومؤقّت) يساعد جميع الأطراف على الخروج من النفق المسدود الذي يواجهونه منذ سنوات.

مقالات ذات صلة