بيان بيت العمال للدراسات بمناسبة يوم المرأة العالمي “المشاركة الإقتصادية للمرأة”

حرير

على الرغم من الجهود الوطنية المبذولة على المستويات التشريعية والتنفيذية لغايات دمج المرأة في الحياة الاقتصادية، إلا أن هذه الجهود ما زالت غير قادرة من حيث الكم والنوع على إحداث فارق كبير، جراء عدم وجود سياسات كفيلة بمعالجة التحديات التي تقف حائلا أمام دخول المرأة سوق العمل بفعالية، وتأصيل العلاقة بين القطاعين العام والخاص بما يسهم في تحسين ظروف عمل المرأة وينعكس بالتالي على زيادة نسبة مشاركتها الاقتصادية.

إن انخفاض نسبة المشاركة الإقتصادية للمرأة الأردنية التي تعد من أقل النسب في العالم، يستوجب بالضرورة العمل بجد لتجسير الفجوة الجندرية في سوق العمل الأردني، بالنظر إلى حجم الخسائر الباهظة التي يتكبدها الإقتصاد الوطني جراء تعطيل هذه القوى القادرة على إحداث فارق كبير في الناتج المحلي الإجمالي، حال استطعنا بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لغايات دمج المرأة في سوق العمل وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك، في وقت ما زالت معدلات البطالة للجنسين في ارتفاع مستمر منذ عام 2016 لتصل إلى (19.1%)، وبطالة النساء (27%)، وما زالت نسبة النساء المشتركات إلزامياً في الضمان الإجتماعي منخفضة ولا تتجاوز (29%) من إجمالي الأردنيين المشتركين إلزامياً.

وتعد نسبة انسحاب المرأة من سوق العمل سبب رئيسي في تراجع هذه المشاركة، حيث تلعب التقاليد الاجتماعية ونظرة بعض أفراد المجتمع إلى عمل المرأة دور كبير في الحد من انضمامها إلى سوق العمل، خاصة النظرة إلى أن عمل المرأة يجب أن ينحصر في أعمال تقليدية “مقبولة اجتماعيا”، وأن عملها مكمل من الناحية الإقتصادية لدخل الأسرة الذي يوفره عمل الزوج أو الأب، مما ينعكس سلبا على فرص العمل التي تتوفر لها من حيث الكم والنوع، وعلى فرص تقدمها الوظيفي وترقيها.

كما يشكل الدور الاجتماعي للمرأة والأمومة ورعاية الأطفال والأعمال المنزلية التي يقمن بها، إرهاقا وإنهاكا نفسيا وجسديا للمرأة العاملة نتيجة اضطرارها لبذل جهود مضاعفة في الوظيفة وفي خدمة الأسرة في آن واحد، خاصة من يعمل منهن ساعات العمل طويلة اللواتي تبلغ نسبتهن (12.4%) يعملن أكثر من (48 ساعة إسبوعياً)، الأمر الذي يتسبب لهن بمشاكل أسرية لعدم تمكنهن من الجمع بين واجبات الوظيفة والمسؤوليات العائلية، ويؤدي إلى عدم استمرارهن في الوظيفة أو في الإستفادة من فرص الترقي والتقدم فيها، والانسحاب المبكر من سوق العمل، فقد وصلت نسبة المتزوجات من المنسحبات من سوق العمل (78.0%)، ثلثهن متزوجات منذ فترة قصيرة (أقل من سنتين)، كما شكلت نسبة النساء المنسحبات من سوق العمل بسبب الظروف العائلية وتربية الأولاد حوالي (45.0%) من إجمالي المنسحبات.

ويعتبر عدم توفر متطلبات بيئة عمل صديقة للمرأة العاملة، والكلف المترتبة على أصحاب العمل لتوفير التسهيلات اللازمة لعمل المرأة، أهم الصعوبات التي تواجه المرأة في العمل والإستقرار فيه، وتقف عائقا أمام التحاقها بسوق العمل، ومن ذلك مشكلة عدم توفر المواصلات اللائقة والمنتظمة، والمرافق والخدمات الخاصة بالمرأة في مواقع العمل، والحضانات لأطفال العاملات، ناهيك عن انخفاض الأجور، والفجوة في الأجور بين الذكور والإناث.

إن موضوع مشاركة المرأة الإقتصادية والصعوبات التي تقف أمام دخول المرأة إلى سوق العمل خاصة المرأة ذات المسؤوليات العائلية يتطلب وعيا كافيا لدى كل الأطراف بأهمية دور المرأة الإقتصادي في سوق العمل وضرورة تفعيلة، وأن تتولى كل جهة أداء الدور المطلوب منها بهذا الخصوص، سواء كانت الجهات الرسمية المعنية أو منظمات أصحاب العمل أو النقابات العمالية والنقابات المهنية أو منظمات المجتمع المدني إضافة إلى الأسرة والمجتمع.

وقد انبثق عن الخطط والسياسات والبرامج التي وضعت لزيادة المشاركة الإقتصادية في المملكة وبخاصة مشاركة المرأة الاقتصادية وإدماجها في سوق العمل العديد من الوثائق التي ما زال ينقصها التنفيذ السليم والفاعل على أرض الواقع، باستثناء عدد من السياسات والبرامج الناجعة التي تم تطبيقها خلال السنوات القليلة الماضية خاصة التي انبثقت عن تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتشغيل التي أطلقت في نهاية عام 2012، الأمر الذي يستدعي أن تراجع الحكومة سياساتها بالتعاون مع القطاع الخاص لإعادة تفعيل هذه الإستراتيجية وبرامجها وأهداف رؤية الأردن 2025، ومن ذلك البرامج والمشاريع التشغيلية الخاصة بالمرأة ذات المسؤوليات العائلية، والمرأة في المناطق التي لا تتوفر فيها فرص عمل كافية.

كما يجب العمل على تفعيل التشاور الحكومي مع المنظمات الممثلة للقطاع الخاص وتعزيز دور الأدوات المتاحة لذلك وبشكل خاص اللجنة الثلاثية لشؤون العمل واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، لتوفير متطلبات تعزيز وضع المرأة في سوق العمل، وبشكل خاص في توسيع الخيارات المهنية للمرأة، واكسابها المهارت والتدريب اللازم، ورفع وعيها بفرص العمل المتاحة، وسياسات الأمان والحماية الاجتماعية، ونشر الوعي بحقوق المرأة العاملة لدى أصحاب العمل، والاهتمام بشروط صحة وسلامة المرأة العاملة، والمساواة بين الجنسين، وقضايا تكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب، وضمان آليات ميسرة لتطبيق أشكال العمل المرن التي نص عليها نظام العمل المرن وتعليماته، وتوفير الحماية الإجتماعية للعمل المنزلي والعمل عن بعد (الإشتراك في الضمان الإجتماعي، تراخيص الأمانة، تطوير قانون العمل)، إضافة إلى تطوير آليات وصول المرأة العاملة لتقديم الشكوى حول المخالفات المرتكبة لحقوقها، ومن ذلك خطوط الإتصال المجانية، والتطبيقات الإلكترونية، وتفعيل نظام التفتيش المحوسب.

بيت العمال للدراسات
8 آذار 2020

مقالات ذات صلة