في انتظار الخمسين شهيدا التالين د.أحمد جميل عزم
تَلخَّص الموقف الذي أعلنه الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، مساء الاثنين 14 أيار (مايو) 2018، عقب سقوط أكثر من خمسين شهيدا فلسطينيا، على حدود قطاع غزة، وقبل يوم من ذكرى النكبة، بالتأكيد أنّ الاجتماع القيادي الفلسطيني، الذي عقد يومها، للجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة “فتح”، هو لغرض تطبيق قرارات المجالس المركزية والوطنية السابقة.
فيما لخّص خليل الحية، موقف حركة “حماس” في مؤتمر صحفي بعبارة “لا يحاول العدو ومن يسير في ركابه أن يختبر صبرنا”. في الحالتين، يسقط الشهداء في انتظار تطبيق القرارات المقرة منذ سنوات، أو فراغ/ اختبار الصبر.
لعل أحد الأسئلة الملحة هل كان تطبيق قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية، منذ سنوات، مفيداً لمنع سقوط الشهداء؟ وهل ستطبق حقاً؟ وهل هناك قناعة في تطبيقها؟ ومتى يُختبر الصبر؟ ماذا أكثر من الحصار؟ وعشرات الشهداء في كل مسيرة حتى يختبر الصبر؟ وما الذي سيحدث بعد اختبار الصبر؟ أصدر اجتماع “التنفيذية” و”المركزية” سالف الذكر، قرارات، منها “دعوة مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان للاجتماع والتحقيق في جرائم الاحتلال وتوفير الحماية الدولية لشعبنا”، فضلا عن إعلان “التوقيع على انضمام دولة فلسطين لعدد من الوكالات الدولية المتخصصة”، كما تقرر تشكيل لجنة لوضع قرارات المجلس الوطني قيد التنفيذ، وخاصة تحديد العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية.
لا يكاد يوجد شعب تحرر من احتلال، خصوصاً بوحشية الاحتلال الصهيوني، من دون أن يدفع ثمناً مُؤلماً، ومن دون أن يعني هذا أن وقوع الشهداء، مسموح مجاناً، أو أنه هدف، أو ميدانٌ لتنافس الفصائل، بخصوص نصيبها من الشهداء، إلا إذا كان الشهيد قد أصابته الشهادة، أو أصابها، وهو يحقق إنجازا وطنيا مهما. الانتظار الآن هل ستطبق قرارات رام الله، خصوصاً بخصوص الوكالات والمحاكم الدولية، وإذا لم يجر شيء بشأنها، سيحيط الشك بجدية وجدوى الحديث عنها، تماماً مثلما بات الشك هو الأساس بشأن الحديث عن “تحديد العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية”، فحتى أثناء ساعات عملية إصدار المجلس الوطني الفلسطيني القرارات، كانت اتفاقيات جديدة، في الكهرباء مثلاً، تُوقّع مع الاحتلال.
فيما تعلم قيادة “حماس” أنّ جزءا من توجهها لهذه المسيرات، ورفعها صور مانديلا وغاندي ومارتن لوثر كنغ، باعتبارهم نماذج إنسانية للنضال المدني، هو لأنها باتت تدرك أنّ رفع شعار الكفاح المسلح، درباً للتحرير، لم يعد يتوافق مع البنية السلطوية التي أنجزتها، ومع كونها كيانا شبه نظامي، ولم تعد استراتيجية للتلويح بها (بعد فراغ الصبر)، من دون تصور جديد.
تماماً مثلما تجتمع القيادة السياسية، لتناقش بغموض مقولة “تحديد العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية” فيما الأجهزة الأمنية الفلسطينية، مسكونة، بوظيفتها “حفظ الأمن” ومنع “الفلتان” والوقاية من “اختطاف” أي احتجاج ضد الاحتلال لصالح قوة سياسية فلسطينية داخلية.
تتضمن مسؤولية القيادات الفلسطينية، الرسمية والفصائلية، عدا شجب وحشية الاحتلال، أولا، وقبل هذا أن يكون أي تحرك؛ مثل مسيرات العودة، ذا أهداف وتفاصيل عملياتية مسبقة، بدءا من سبل الدعم السياسي، وصولاً لتأمين المرافقة والحماية الدوليتين، ولذلك على القيادة تقديم تصور متكامل حول هذه المسيرات، وأهدافها، وتفاصيلها وسبل دعمها، إن جرى تبنيها استراتيجيةً. ثانيا، تركزت المسيرات في غزة، ولكنها لم تكن هناك فقط، فقد خرجت في بقية الضفة الغربية، بأعداد أقل.
ولا شك أن الواقع الموضوعي للاجئين في غزة سبب أساسي في هذا التركز، فضلا عن قرار إسرائيلي على ما يبدو بتركيز القتل هناك، مع تذكر أنّ الضفة الغربية شهدت هبة 2015/ 2016، و”تضامنت” غزة، وأنّ القدس شهدت هبة البوابات، تموز 2017، و”تضامنت” الضفة وغزة، ولعل أحد أول الأسئلة، لماذا تفتقد الحركة الفلسطينية للوحدة؟ والجواب هو طبعا الانقسام، ولكنه أيضاً عجز الماكينة الفصائلية، وحساباتها السياسية الخاصة، فمثلا حركة “حماس” كانت تدافع عن موقف مصر (وتهاجم من “ساروا في ركب العدو”) أثناء الحديث عن المسيرات. كان الإسرائيليون، في اليوم ذاته، يحتفلون من دون أن يرف لهم جفن، أو يحسبوا حساباً لمجلس الأمن، أو “تحديد العلاقات”.
أبرز من ضَعُف في مسيرات العودة، هو الحركة السياسية الفلسطينية الفصائلية، والرسالة الأوضح أنّ الفعلين السياسي الفصائلي والرسمي لا يرقيان أبدا لمستوى الطاقة الثورية والمُقاوِمة.