صفقة القرن بين توحيد المواقف وتشتيتها

 

باسل ترجمان

في سنة انتخابية يواجه فيها الرئيس الامريكي ترامب تهديداً جدياً بعزله من منصبه في ظل اتهامات كبيرة تواجهه أمام الكونغرس الامريكي، يقفز صانع الصفقات التي لم يستطع أن يحقق فيها نفس النجاح الذي كان يحققه في صفقاته التجارية خطوة باتجاه الامام بمحاولة فرض ما أسماه «بصفقة القرن»، في محاولة لاسترضاء جموع الناخبين ورضى النواب المؤيدين لإسرائيل في مجلسي النواب والشيوخ.
قبل الإعلان الرسمي عن تفاصيل الصفقة ومضامينها رغم التسريبات التي تخرج من هنا وهناك، خرج كثيرون يتحدثون عنها وعن أدق التفاصيل وكأنهم يجلسون في مكتب الرئيس الامريكي ويتقاسمون معه اسرار الادارة الامريكية وافكارها.
وبدون مقدمات انتقل البعض للحديث عن موافقة ومعرفة اطراف عربية بتفاصيل الصفقة ونتائجها، وربما في قفزة اخرى نحو كشف كل الاسرار والخبايا فمن يعرف تفاصيل الصفقة من داخل اروقة البيت الأبيض والتي مازالت مجهولة، لن يصعب عليه ان يعرف تفاصيل المواقف السياسية تجاهها بأدق التفاصيل التي يمكن ان لا يعرفها صناع القرار في تلك الدول.
المنطقة بمجملها وليست فلسطين تواجه التحدي السياسي الأخطر منذ انهيار عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين قبل عشرين سنة بعد فشل ادارة الرئيس الامريكي بيل كلينتون في ايصال الطرفين الى توقيع معاهدة سلام لم تكن لا اسرائيل حينها ولا ادارة كلينتون معنية بالتوصل الجدي لها في مفاوضات كامب ديفيد.
صفقة القرن التي لن تكون مرجعيتها قرارات الامم المتحدة او الشرعية الدولية، ستكون مكملة لخطوات لا نعرف أين ستصل في اعطاء اسرائيل ما تطلبه الأن من ضم اراض وضمانات امنية وسياسية، فبعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يصبح من الصعب توقع أن تكون هذه الصفقة ضمن إطار القانون والعدل الدوليين، والرئيس الامريكي سيحاول ان يحقق لإسرائيل المتجهة بسرعة كبيرة نحو مزيد من التطرف اليميني ما يمكن أن يعتبره زعمائها الحاليين هدية السماء لهم، في ظل المعطيات السياسية والجغرافية التي تهيمن على المنطقة.
المشكلة ليست في طرح الرئيس الامريكي او منظومة الحكم في إسرائيل بل في الغرق العربي العادي والمحبب بادعاء ادوار الشرف والبطولة من جهة، وتخوين الاخرين واتهامهم من جهة اخرى وبدل الحديث عن كيفية التعاطي السياسي مع الصفقة التي ستعلن هذا الاسبوع صار الحديث عن من يوافق ومن يؤيد ومن سيتخذ خطوات تتماهى معها ليضيع على الفلسطينيين حقوقهم ويساهم في فقدها.
التساؤل المهم كيف يمكن ان نواجه هذه الصفقة في الاشهر القادمة التي تفصلنا عن الاحداث الكبرى في الولايات المتحدة الانتخابات الرئاسية القادمة او محاولات عزل الرئيس ترامب قبل انتهاء مدة ولايته.
تبدو إمكانيات نجاح تمرير الصفقة باستثناء إعطاء إسرائيل الضوء الاخضر لضم المستوطنات ومناطق الاغوار منعدمة، سواء بالنسبة للتوقيت او لمساحة المناورة التي لا يبدو ان الرئيس ترامب معنياً بها فهو يريد ان تكون اقرب للتفاوض التجاري من التفاوض السياسي وسيحمل الفلسطينيين مسؤولية ضياع الفرص التاريخية.
الاوضاع العربية الصعبة بعد سنوات الربيع العربي، والمخاوف من الارتدادات التي قد تنجر عن رفض الصفقة، يجب ان لا تنسي الجميع ان الفلسطينيين لن يقبلوا بها، واشقاؤهم في دول الجوار لن يكونوا جزءا منها، وتعزيز ثبات المواقف هو الأهم  بدل تراشق الاتهامات وزرع الشكوك بينهم، طرف وحيد يسعى لتحقيق مكاسب رخيصة عبر بث الفرقة بين الاشقاء من يعتبرون انفسهم ورثة نكبات الربيع العربي التي يسعون لاستكمال حلقة جديدة منها في دول أخرى خدمة لمصالح مشغليهم وأهداف هم.

مقالات ذات صلة