ارتياح خليجي لإنتقال المواجهة الاميركية – الايرانية الى العراق … ولكن الى متى ؟؟

سليمان النمر

يبدو واضحا في الرياض وعواصم الخليج الاخرى ان هناك شعور بالارتياح الكبير للرد الايراني ” المحدود ” على قتل الولايات المتحدة لقائد “فيلق القدس ” بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني ، والذي اكتفى باطلاق بضعة صواريخ على قاعدة “عبن الاسد “العراقية التي تضم مئات من الجنود اللاميركيين الذي حذروا قبل ساعات من ان قصفا صاروخيا قادم .

ويرى الخليجيون ان رد الفعل “المدروس ” هذا جنب المنطقة مواجهة عسكرية ايرانية – اميركية واسعة، وقد تكون شاملة، لاشك ان دول المنطقة الخليجية ستدفع ثمنا كبيرا لها .

ودول الخليج العربية الحليفة للولايات المتحدة تشعر اساسا بالارتياح لأن ساحة المواجهة الاميركية – الايرانية انتقلت من الخليج الى العراق بعد ان عاش الخليج شهورا من التوتر والقلق بسبب ضرب ايران لناقلات نفط وبسبب ضرب بعض حقول النفط السعودية.

ويبدو ايضا ان ايران كان لها مصلحة في تصعيد التوتر مع الولايات المتحدة بسبب تزايد العقوبات الاميركية عليها (والتي  تجعلها فعلا تشعر بالاختناق وتريد ان تدفع واشنطن ثمن ذلك ) وطهران كان لها مصلحة في نقل ساحة المواجهه الى العراق اعتقادا انها بذلك تطفئ نيران الثورة الشعبية في العراق والتي تطالب بالخلاص ليس من  فساد  الدولة العراقية  فقط بل من النفوذ والهيمنة السياسية والعسكرية الايرانية على العراق ،

ويجب ملاحظة ان ميليشيات حزب الله العراقي هي التي بدأت في المواجهة مع الولايات المتحدة حين قامت يوم 27 كانون الاول / يناير بقصف قاعدة A-3 الاميركية شرقي العراق والتي قتل فيها اميركي ، فردت الولايات المتحدة على ذلك بقصف 3 قواعد لحزب الله في العراق وقاعدتين في سوريا (التي قتل نتيجتها 28 عسكريا كبيرا بينهم ضباط ايرانيون ) وصعدت الميليشيات المحسوبة على ايران وقام مؤيدو هذه المليشيات بالدخول الى المنطقة الامنة الخضراء في بغداد وحاصروا السفارة الاميركية واشعلوا النيران في بواباتها واطلقوا الصواريخ على محيطها ‘ الامر الذي جعل الشعب الاميركي يتذكر احتجاز الرهائن الاميركيين في سفارة بلادهم في طهران عام 1980 ، ومهاجمة القنصلية الاميركية في بنغازي من قبل مسلحين اسلاميين وقتل السفير الاميركي لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز في شهر ايلول سبتمبر 2012.

لذلك كانت هذه فرصة للرئيس الاميركي دونالد ترامب ليرد على ماحدث لسفارته في بغداد بالموافقة على عملية قتل واحد من اهم القادة العسكريين الميدانيين لإيران وهو الجنرال قاسم سليماني ، ولاشك ان ترامب وجد ان مثل هذا الرد (الذي صعد من حجمه اعلاميا  بتصويره انه انتصار عسكري هام ) يعمل على اعادة بعض من شعبيته التي تتدهور في الولايات المتحدة وقبل بضعة شهور من موعد الانتخابات الرئاسية التي يسعى ترامب للفوز بها ثانية .

ويقول ديبلوماسيون خليجيون ان الرئيس الاميركي كان بالفعل مستعدا للرد بقسوة على ايران في حال ان ردت على مقتل الجنرال سليماني بمهاجمة القوات الاميركية في العراق وفي المنطقة وايقاع خسائر بشرية اميركية .

ولكن يبدو واضحا انه لم تكن هناك ارادة سياسية ايرانية واميركية  بتصعيد المواجهة لتصبح مواجهة شاملة تؤدي الى المجهول .

ويلاحظ مراقبون في الخليج ان حدة التصعيد بين واشنطن وطهران هدأت بعد رد الفعل الايراني “المحدود والمدروس” على مقتل سليماني ، وما يمكن ان نراه او نسمع عنه من فصف صواريخ ” كاتيوشا” من قبل المليشيات العراقية الموالية لإيران مثلما حصل ليل يوم الاثنين الماضي  ماهدفه الا تحويل الانظارعن “الثورة الشعبية” المستمرة في العراق .

ولكن طبعا لايمكن ان يراهن احد على استمرار حالة “عدم التصعيد” بين واشنطن وايران ، لاسيما اذا واصلت الادارة الاميركية الحالية زيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على ايران ، فطهران لا تسطيع ان تستمر بالعيش تحت ظل هذا الحصار الذي بالفعل يؤلمها ، وطهران اذا ما إستطاعت الصمود اقتصاديا هذا العام  فهي لا تستطيع المراهنة على نتائج الانتخابات الاميركية القادمة بعد نحو عشر شهور من الان وامكانية سقوط عدوها اللدود الرئيس ترامب.

الا اذا كانت طهران تفكر الان باعداد رد قاس على الرئيس الاميركي بشكل يوجعه ويبين فشل ادارته في حماية الاميركيين ويجعله يخسر الانتخابات القادمة ( حتى لو تعرضت ايران لخسائر كبيرة من جراء اي رد فعل اميركي عنيف ) .

وهذا ما تخشاه دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة ليس فقط بسبب ما سينولها من اضرار بفعل اي مواجهة عسكرية ايرانية اميركية شاملة في المنطقة، بل ايضا لأن دول الخليج الحليفة للرئيس ترامب (لا سيما السعودية والامارات والبحرين) تأمل ان يفوز الرئيس ترامب بفترة رئاسية ثانية لانها ترى ان الرئيس الاميركي الوحيد القادر على حمايتها من ايران رغم الثمن الكبير الذي تدفعه  لهذه الحماية .

كاتب صحفي مخنص بالشؤون الخليجية.

مقالات ذات صلة