سقوط الخطاب الإعلامي التنموي العربي … حاتم الكسواني

حيث كان الإعلام فاعلا في إحداث التغيير وإرساء أنماط السلوك الإجتماعي المناسبة لإحداث التنمية في سني سبعينات  و ثمانينيات القرن الماضي فإنني أعتقد بأننا لا نستطيع اليوم أن نتحدث عن هذا الدور الحيوي الذي لعبته وسائل الإعلام سابقا في مجالات التنمية ، ذلك الدور الذي إعتبره ولبر شرام أشهر علماء الإتصال الجماهيري في تلك الحقبة حاسما فيما يتعلق بقدرة وسائل الإتصال آنذاك على إحداث تغيرات جذرية في أفكار و ثقافة المجتمعات التقليدية النامية حيث أعتبر بأن وسائل الإعلام  تساهم  مساهمة فعالة في دفع عجلة التطور وزيادة الإنتاج .

وكذلك فمنذ مطلع الستينيات من القرن الماضي ساهمت الإذاعة والتلفزيون نظرا لسعة إنتشارهما آنذاك  وقدرتهما للتغلب على عزلة المناطق النائية في الدول  و بالمشاركة مع وسيلة الإتصال الشخصي  بمكافحة الأمية في كثير من الدول حيث كانت الأمية تشكل أبرز عائق من عوائق إحداث التنمية المنشودة .

ولكن الحديث عن دور لوسائل الإعلام بإحداث التنمية في أيامنا هذه يحتاج إلى كثير من التمحيص ، في ظل ظهور وظائف مغايرة لوسائل الإعلام تتركز في العمل على إعادة صياغة العالم وإقتصادياته لمصلحة سيطرة الدول المركزية العظمى على مقدرات الدول الهامشية النامية ، وضعف مشاركة الدول الهامشية المتخلفة تقنيا وإقتصاديا في المساهمة بصنع  محتوى الأخبارو المواد الإعلامية التي تسيطر عليها الدول المركزية المتقدمة تقنيا وإقتصاديا  ، التي تسيطر على معظم وسائل الإعلام العالمية الكبرى من وكالات أنباء وفضائيات وإذاعات وشبكات إنترنت وتدير وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة  والتي تقرر محتوى وسائل الإعلام وأثرها ،  وتسيطرعلى صياغة إتجاهات الناس وتشكيل الرأي العام العالمي ، حيث يتصف إتجاه تدفق الأخبار والمواد الإعلامية ، بأنه يسير بإتجاه واحد من أعلى إلى أسفل أو من الدول المتقدمة المركزية إلى الدول الضعيفة التابعة الهامشية .

وفي ظل هذا الواقع المرير ،  فإنني أرى بأن وظيفة وسائل الإعلام في إحداث التغيير الإيجابي لصالح عملية التنمية في الدول التي تنشد التنمية لمجتمعاتها  قد تعطلت وماعادت تقوم بدورها الذي لعبته في نهايات سني القرن الماضي ، حيث إزدهر خطاب الإعلام التنموي وأدى دوره الحيوي في تقدم وتطور كثير من الدول العربية التي إعتمدته ، إلى أن حدث ما حدث من تدمير وتخريب لبنى المجتمعات العربية وإنجازاتها التنموية بالتدمير المباشر لمقدراتها حينا  ، أو بتدمير قيمها وثوابتها الوطنية ، وخططها التنموية والإعلامية ن ومكونات وحدتها أحيانا  .

فرغم حاجة الدول النامية إلى الإعلام ،  إلا أن طريقه ليس مفروشا بالورود ، بل هو مملوء بالأشواك ، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى الآفات ،  التي تحد من ديناميكيته ، و فعاليته وتأثيره اللازم لتبني الجمهور المتلقي لمفاهيم وقيم التنمية ،  والتي تتمثل بالعديد من المشاكل التي تواجهها الدول النامية عامة ودولنا العربية على وجه الخصوص والتي يمكن إجمالها بالعناصر التالية :

1 ـ تعدد وسائل الإتصال والتواصل الإجتماعي ، ومصادر المعرفة ، وتباين أجنداتها بشكل  يحد من قدرة الوسائل من إيصال رسائلها للجمهور المستهدف بالكفاءة المطلوبة ، كما تحد من قدرة المتلقي من  التمييز بين  الغث والسمين من الرسائل ناهيك عن ضعف إمكانية تدخل السياسيين و النخب الإعلامية في السيطرة على المعلومات أو مراقبتها أو فرض وجهات نظرهم الخاصة بشأنها  .

2 ـ إنتشار وسائل الإعلام الإصطفافية من إذاعات وفضائيات وصحف ألكترونية وصفحات تنظيمية ،  مما يفقد المتلقي الثقة بها ويجعل رسائلها مربكة له ، الأمر الذي يضعه في حالة من عدم اليقين .

3 ـ نمو أثر تحدى الشاشة الثانية  ” أجهزة الهواتف المحمولة الخاصة   ”  التي تضمن للمواطن التواصل مع وسائل التواصل الإجتماعي ، من خلال شبكة الإنترنت كالفيسبوك والإنستغرام والواتساب ، التي حدت من معدلات التعرض لوسائل الإعلام الرسمية ” العامة ”  التابعة للحكومات  كالإذاعات ومحطات التلفزة والصحف الورقية التي تضطلع ببث الرسائل الخاصة لإحداث التنمية الإجتماعية والإقتصادية ، مما يستلزم  أن تطور الجهات الرسمية أدواتها وأن تطور وسائلها في مواجهة هذه الحالة ، حيث أن وسائل الإعلام العامة تخضع لتحديات أربع قوى أساسية هي المال والتكنولوجيا والتقنين وتقلص جمهور متابعيها نتيجة إتساع خياراتهم  الإعلامية  .

4 ـ حالة تردي مستوى الخدمات التي تعيشها الدول النامية  ودول وطننا العربي التي تشهد حروبا وصراعات محلية ، وسوء إدارة حكومية وفساد وتركز للسلطة بيد فئات دون باقي فئات المجتمع ، كتخلف شبكة المواصلات البرية والبحرية والجوية ،  وسوء الطرق وعدم صيانتها دوريا ، وتخلف أنظمة النقل والبريد والشحن ، ونقص قدرات الطاقة الكهربائية وعدم توفر كوادر صيانتها ، و توقف العملية التعليمية أو عدم إنتظامها أو انخفاض مستوياتها والعزوف عن الإنتظام ببرامجها ، وإنتشار الأمية ، وإنخفاض معدلات الدخل وإنتشار الفقر .

وخلاصة القول فإن كل هذه العوامل التي تسبب الجهل .. . والفقر..  والمرض ..  والبطالة ..  وعدم الإستقرارالأمني ..  والتدميرالممنهج للبنى التحتية ومقدرات الأوطان ومنجزاتها التنموية السابقة ..  وفقدان الثقة ..  وعدم اليقين  تجعل من الإعلام عاجزا عن القيام  بمسؤولياته كقوة حضارية  إتجاه مجتمعه للنهوض به بالتعاون مع القوى الحضارية الأخرى كالتعليم والتنمية الإجتماعية والإقتصادية لتحويله من الحالة التقليدية إلى الحالة العصرية .

مقالات ذات صلة