العازفون الصغار…. هنا بصيرا

الدكتور صبري ربيحات

المدن الثقافية كانت وما تزال أحد اهم المشاريع الثقافية الهادفة إلى منح المدن والبلدات الأردنية الفرصة لتنمية وتطوير المواهب وتحفيز الهيئات والجمعيات المحلية على التخطيط والتنظيم والعمل على تبني المبادرات الهادفة إلى إكساب المجتمع المحلي دفعة قوية من خلال اكتشاف المواهب والطاقات وتوفير الفرص لأصحابها ومساعدة المجتمع على التعرف على هويته وتراثه وإنعاش وإحياء كافة العناصر والمقومات التي تشكل البناء المعنوي للمجتمع والقوة الكامنة لإطلاق طاقاته .
في هذا المشروع الذي انطلق منذ العام 2007 ، تخصص الحكومة موازنة متواضعة يجري توجيهها نحو مدينة او بلدة يجري اختيارها من قبل لجنة تشكلها وزارة الثقافة للنظر في الملفات وتقييم مدى جاهزية كل من المدن والبلدات التي تتقدم لمسابقة الاختيار.
خلال السنوات الماضية طاف مشروع المدن الثقافية مراكز المحافظات ودخل إلى العديد من البلدات التي تشكل مراكز للألوية ليصل هذا العام إلى ألوية ذيبان وكفرنجة وبصيرا في وسط وشمال وجنوب المملكة. كعادة المشروع تنطلق صفارة الانشطة في مطلع العام وتختتم في الشهر الاخير من العام لينتقل إلى محطة اخرى.
قبل عام تقريبا ومع اعلان انضمام الألوية الثلاثة إلى قافلة المشروع تمنينا ان ينجح الاخوة القائمون على المشروع في ترك أثر على البلدات والألوية التي شملها، ففي كل من ذيبان وكفرنجة وبصيرا إرث تاريخي وثقافي تجاوزت آثاره حدود الزمان والمكان.
فمن ذيبان انطلقت جيوش الملك ميشع المؤابي التي هزمت العبرانيين وعلى مسلته التي اتخذت ركنا في متحف اللوفر الفرنسي دونت قصة الصراع المؤابي العبراني. إلى الجنوب من ذيبان وعلى بعد اكثر من 150كم، تقع بصيرا عاصمة الادوميون الذين حكموا عشرات المدن والبلدات المقامة على حافتي حفرة الانهدام وانشغلوا لفترات طويلة في صراع العبرانيين. ولا تقل كفرنجة في اهميتها التاريخية عن بصيرا وذيبان فهي المدينة التي شكلت موطنا للمسيحيين العرب كما يشير اسمها واصبحت فيما بعد عاصمة سياسية ومرجعية للحكمة والقضاء في بلاد الشام.
الموارد المالية المخصصة لمشروع المدن الثقافية تقلصت كثيرا في الاعوام الاخيرة الا ان ذلك لم يمنع القائمين على المشروع في الألوية الثلاثة من خلق حالة ثقافية لمس آثارها وشارك فيها الاهالي وفتحت قنوات للتواصل مع مراكز العلم والفن والثقافة خارج الحدود الجغرافية لها.
العديد من الفعاليات التي أقامتها المدن اتخذت طابعا عربيا حيث شارك بعض الفنانين والشعراء العرب في اللقاءات والمخيمات. اللوحات والجداريات التي أنتجها الفنانون المحليون كشفت عن وجود مواهب واستعدادات لدى الكثير من الشباب واليافعين في بلدات وقرى المملكة.
من بين الإنجازات المميزة لمشروع المدن الثقافية لهذا العام تأسيس نواة صغيرة ويافعة للعازفين في لواء بصيرا .لقد نجح الدكتور سالم الفقير في إدخال الموسيقا إلى انشطة وفعاليات المشروع وهو بذلك يغني الانشطة الطلابية والشبابية ويقدم للموهوبين بدائل تضاف إلى انشطة الرسم والشعر والمناظرات فتشغل اوقاتهم وتخفف من منسوب التوتر الذي قد يستولي على المزاج العام.
حضور العازفين الصغار الذين تمكنوا من المشاركة في الحفل الختامي للواء بصيرا الخميس الماضي بعد دورة عزف على العود لأقل من شهرين دليل على وجود مساحات واسعة من الانشطة التي يمكن ان نتوسع بها . الشكر لكل الذين قاموا على تدريب الصغار وتبني المبادرة وبانتظار المزيد مما يجعل المشروع مناسبة لإثراء الانشطة وتنمية المواهب وتوفير الفرص .

مقالات ذات صلة