واشنطن لا تريد دولة فلسطينية… ماهر ابو طير
قبل سنوات طويلة، كتب الدكتور مروان المعشر، وزير البلاط السابق، مقالا مهما جدا، قال فيه ان حل الدولتين انتهى لاعتبارات كثيرة، والمقال يومها اثار ضجة، غير ان الفكرة ذاتها، تمددت ورأيناها في معالجات سياسية متعددة، لاكثر من محلل وكاتب ومسؤول.
حل الدولتين، اي اسرائيل والدولة الفلسطينية، انتهى لاعتبارات منطقية، وكل يوم يمر، يثبت ان هذا الحل مستحيل، وان مواصلة بيع هذا الوهم، مجرد شراء للوقت، ومنح الفرصة لاسرائيل، لاتمام مشروعها في كل فلسطين المحتلة، اذ بينما نواصل الحديث عن حل الدولتين، تواصل اسرائيل اقامة المستوطنات وسرقة الارض، وتهويد القدس، وتغيير هوية الاماكن اجتماعيا وثقافيا ودينيا.
حل الدولتين بصورته الاساس، وفقا لقرارات دولية، لم يعد ممكنا على الارض، بسبب تقطيع اوصال الضفة الغربية، وفصل غزة، ومصادرة مساحات كبرى من ارض الضفة الغربية، بحيث لم يتبق من مساحتها المعروفة، الا اقل القليل، وعلينا ان نجدد السؤال، حول امكانية انسحاب اسرائيل من كل الضفة الغربية، واخلاء المستوطنات، وتسليم الضفة الغربية للفلسطينيين، وتسليم القدس الشرقية.
هذا سؤال الكل يعرف اجابته، فاسرائيل لا تريد ان تسلم مترا واحدا من الضفة الغربية، وتشتري الوقت فقط، لمواصلة مشاريعها في كل الضفة الغربية، وكل السيناريوهات التي تتحدث عن تبادل اراض، سواء مع مصر، او داخل حدود فلسطين الثمانية والاربعين، مجرد وهم، يراد عبره شراء الوقت، حتى تستكمل اسرائيل مشروعها، ولو كانت هناك نية حقيقية لقبول قيام دولة فلسطينية، لأوقفت اسرائيل على الاقل مشاريع التوسع في مستوطناتها، ولتوقفت عن مصادرة المزيد من الارض.
نحن هنا، لا نأتي بجديد، لكن ما يراد التذكير به، ان اسرائيل تتعامل مع الضفة الغربية والقدس، من زاوية دينية، تمنعها حاليا واستراتيجيا، تسليم الضفة والقدس فعليا للفلسطينيين، اذ ان مناطق في الضفة الغربية مثل الخليل ونابلس والقدس، تعتبر مناطق مصنفة دينيا لدى اسرائيل، لاعتبارات يعرفها الكل، وحتى الضفة الغربية تسمى يهودا والسامرة، وفي رؤية تيارات اسرائيلية، فهذه مناطق يتوجب طرد الفلسطينيين العرب منها، ووجودهم مؤقت، لغايات انتظار التوقيت المناسب.
التقاء الديني بالسياسي، في اسرائيل، امر يعرفه الكل، وهذا يعني في الخلاصة، ان الاحتلال، لن يسمح بقيام دولة فلسطينية، تكون في قلب فلسطين، وتتحول الى محطة جذب للفلسطينيين في العالم، على مستويات اجتماعية واقتصادية وثقافية، والتحليل هنا، لا يرتبط بالعاطفة، بل بتأثيرات قيام دولة فلسطينية، على اسرائيل، وعلى الاقليم، وفقا لحسابات كثيرة، قد لا تتحدث عنها بعض الاطراف علنا.
هذا كله يفسر ان كل الحلول والمبادرات التي يتم تقديمها، تتعثر، لانها مصممة مسبقا، من اجل ان تتعثر، وواشنطن حصرا تعرف قبيل تقديم كل وصفة حل، ان وصفتها ستكون مرفوضة، لان لديها من الخبراء من يعرفون اين مكامن الرفض، والقبول، وعلى هذا لا بد ان يقدم لنا الاميركان تفسيرا مقنعا، حول تقديمهم كل هذه السنين لمبادرات، يعرفون مسبقا، انها غير قابلة للحياة.
الاجابة على هذا التصور سهلة. هم يمنحون اسرائيل المزيد من الوقت، لاكمال مشروعها، والفلسطينيون برضاهم او غير رضاهم لا يملكون حلا سوى الرفض، وهو رفض من ناحية اخرى، منتج اسرائيليا، كون كل حسابات اسرائيل تبنى على الرفض الفلسطيني، وهو رفض مبرر في كل الاحوال، يتم دفع الفلسطينيين اليه دفعا، لخطورة الحلول التي يتم طرحها.
هذا الواقع، سيتجدد عندما تعلن واشنطن عن وصفتها المقبلة، لحل القضية الفلسطينية، وهي وصفة، تعرف واشنطن انها مرفوضة مسبقا، وتقدمها كي تقول انها حاولت، وهي تنتظر رفض الفلسطينيين، من اجل منح اسرائيل عامين اضافيين او اكثر لمواصلة مشروعها، ووقتذاك سيتم اختراع مبادرة جديدة، وهي كل مبادرات تقوم على فكرة واحدة… لا لحل الدولتين.
كل هذا يتركنا امام السؤال…..ماذا ينتظر فلسطين، اكثر من الذي رأيناه وعشناه طوال عقود؟!.