“رفع الحصانة النيابية” ما بين حماية الدستور وفكّي الحكومة والنواب

حرير خاص 

براءه حج حسن و رائد الحراسيس

” ‏تعتبر الحصانة البرلمانية نوع من الحماية القانونية التي يعطيها الدستور لنواب الشعب في البرلمان كنوع من الحماية السياسية والقانونية حتى يستطيع النائب أن يؤدي وظيفته الدستورية كاملة (كسلطة تشريعية) بعيدا عن تاثير السلطة التنفيذية على أعضاء البرلمان بالترغيب أو الترهيب.”

ووفقا للنظام الداخلي لمجلس النواب الأردني ، فإنه يتعين على اللجنة القانونية تقديم تقريرها بشأن طلب رفع الحصانة، خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما، ويجوز للمجلس البت بالطلب مباشرة إن لم تقدم اللجنة تقريرها خلال تلك المدة.

فقد حسمت المحكمة الدستورية ومن خلال الصلاحية المناطة بها في تفسير نصوص الدستور الأردني الجدل القائم حول نطاق الحصانة البرلمانية التي قررها المشرع الدستوري في المادة (86) من الدستور لكل من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب والتي تحول دون توقيفهم أو محاكمتهم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر قرار برفع الحصانة بالأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس الذي ينتمي إليه العضو المطلوب توقيفه أو محاكمته.

وفي قرارها التفسيري، فقد وسعت المحكمة الدستورية من نطاق الحصانة البرلمانية لتشمل الأفعال الجرمية كلها التي يرتكبها عضو المجلس قبل اكتسابه صفة العضوية أو بعد اكتسابه إياها، ما عدا رئيس المجلس القضائي أن يصدر تعميما للجهات القضائية كافة بوقف الملاحقات الجزائية ضد النواب الحاليين سواءً ما كان منها في أدوار الملاحقة أو التحقيق أو المحاكمة، والطلب رسميا من المجلس القضائي مخاطبة الجهات المعنية لرفع الحصانة عن أولئك النواب المتهمين وذلك وفقا للأصول الدستورية.

ورغم عدم الإشارة إلى ذلك صراحة في القرار التفسيري، إلا أنه لا مفر من التوسع أكثر في نطاق الحصانة البرلمانية لتشمل أنواع الجرائم كافة التي يرتكبها العضو أثناء انعقاد المجلس بغض النظر عن طبيعتها ومدى تعلقها بالعمل البرلماني.

فما يمكن استنتاجه من قرار المحكمة الدستورية الأخير أن جميع الأفعال الجرمية التي يرتكبها عضو مجلس الأمة أثناء انعقاد المجلس تكون مشمولة بأحكام الحصانة البرلمانية بحيث لا يمكن أن تتم محاسبته عنها إلا بعد رفع الحصانة عنه بغض النظر عن طبيعة الجرم وتعلقه بالعمل البرلماني.

إن ما يدور حاليا من نقاشات واختلافات في وجهات النظر بين صفوف رجال القانون والسياسة في الأردن حول نطاق الحصانة البرلمانية يترافق مع أحداث مشابهة تتعلق بالحصانة البرلمانية وتطبيقاتها في بريطانيا التي هي مهد الحياة الدستورية والبرلمانية، ودائما ما ينظر إليها دعاة الإصلاح والتغيير في الأردن بعين جلية يحاولون الاقتباس منها والتمثل بها خصوصا فيما يتعلق بأركان النظام النيابي.

فقد شاءت الظروف أنه في الوقت الذي شهد به مجلس النواب الأردني عراكا وصداما بين أعضائه تطور إلى حد التلويح والتهديد باستخدام السلاح من قبل أحد النواب الذي فلت من العقاب بحكم الحصانة البرلمانية، قامت الشرطة البريطانية وبالفترة الزمنية نفسها باعتقال النائب العمالي إيريك جويس بتهمة التسبب في مشاجرة في البرلمان البريطاني والاعتداء بالضرب على نواب آخرين، حيث تم توقيف النائب تحفظا لبضع ساعات قبل أن يتم الإفراج عنه بكفالة.
‏ولم يجرؤ النائب جويس أو أي من السياسيين البريطانيين أن يدفع بتمتعه بالحصانة النيابية لعدم توقيفه عن الجرم الذي ارتكبه في البرلمان البريطاني.

وقد تزامن إصدار المحكمة الدستورية لقرارها التفسيري الأخير بشمول الحصانة البرلمانية الأفعال كافة التي يرتكبها عضو مجلس الأمة سواء قبل العضوية أو بعدها بحادثة أخرى ذات صلة بالحصانة البرلمانية في بريطانيا.

فقد أوقفت السلطات البريطانية قبل أيام النائب نايجل إيفانز من حزب المحافظين، وهو أحد الثلاثة نواب لرئيس مجلس العموم البريطاني، للاشتباه بارتكابه جرائم جنسية عام 2009 في الفترة التي لم يكن بها عضوا في مجلس العموم، حيث تقرر البدء في محاكمته في شهر حزيران المقبل، ولم يقبل منه الدفع بالحصانة البرلمانية للتهرب من الملاحقة القانونية، أو حتى تأجيلها لحين انتهاء الدورة البرلمانية المنعقدة حاليا.

كما تزامن القرار التفسيري الأخير للمحكمة الدستورية مع الأنباء التي تواترت في إحدى التقارير الصحافية أن عدد النواب الحاليين المطلوبين للقضاء بتهم وجرائم مختلفة ارتكبوها قبل العضوية في مجلس النواب (80) نائبا، فجاء قرار المحكمة الدستورية كطوق نجاة لهم حيث ستتأخر محاكمتهم إلى حين انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، على أن توقف وتنقطع من جديد مع بداية الدورة البرلمانية التالية.

أما وقد صدر قرار المحكمة الدستورية لصالح التوسع في نطاق تطبيق الحصانة البرلمانية، فإننا لا نملك إلا ان نحترمه وننصاع إليه بموجب أحكام الدستور الذي يعتبر قرار المحكمة الدستورية حجة في مواجهة الكافة والسلطات في الدولة، وأن أي قرار تفسيري يصدر عنها يجب أن يقرأ كوحدة واحدة مع النص الدستوري الذي تم تفسيره، فيلحق القرار التفسيري بالنص الدستوري.

لذا، وعلى ضوء القرار الأخير، فإنه يجب التركيز على أحكام رفع الحصانة البرلمانية في النظام الدستوري الأردني وإجراءاتها التي وردت على سبيل الحصر في النظام الداخلي لمجلس النواب ابتداء من المادة (136) منه والتي تنص على أن يقدم رئيس الوزراء طلب الإذن باتخاذ الإجراءات الجزائية إلى رئيس مجلس النواب مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والأدلة التي تستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة، حيث يحيل رئيس المجلس الطلب إلى اللجنة القانونية لفحصه والنظر فيه وتقديم تقرير عنه خلال مدة لا تتجاوز أسبوعين.

ومن ثم يحيل رئيس المجلس تقرير اللجنة القانونية على المجلس في أول جلسة تالية لمناقشة الموضوع واتخاذ القرار المناسب.

فإذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الإجراءات القضائية المطلوبة فإنه يصدر قراره برفع الحصانة عن النائب المعني بالأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس شريطة أن يكون قرار رفع الحصانة محصورا فقط بالفعل الوارد في طلب الإذن، وأن لا يمتد ليسري على أفعال جرمية أخرى.

إلا أن المشكلة الأساسية التي تواجه إجراءات رفع الحصانة تظهر في المادة (139) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تحظر على المجلس أن يفصل في موضوع التهمة، وأن يقتصر دوره فقط على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين له أن الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي.

إن هذا المعيار الذي تبناه النظام الداخلي من عدم منح الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها إذا كان سيترتب عليها تعطيل النائب عن عمله النيابي هو معيار واسع وفضفاض سيؤدي بالنتيجة إلى التصويت على عدم منح الإذن بمحاكمة النائب.

فأية مباشرة للإجراءات القانونية بحق النائب أو الاستمرار فيها سينطوي حتما على تعطيل للنائب يتمثل في صعوبة حضوره جلسات المجلس أو تأخره عنها للمثول أمام المحاكم الجزائية على اختلاف درجاتها ومتابعة الإجراءات القضائية فيها.

فإذا ما اعتبرنا أن أي إجراءات قانونية يعيق النائب ويعطله عن عمله النيابي سيدفع بمجلس النواب للتصويت على عدم منح الإذن بمحاكمته، فإن أحكام رفع الحصانة عن النائب تعد شكلية لا قيمة أو تطبيق لها على أرض الواقع.

‏وما يدعم وجهة النظر هذه ندرة الحالات التي صوت فيها مجلس النواب على رفع الحصانة والإذن بمحاكمة أحد أعضائه خلال المجالس النيابية السابقة.

إن معيار رفع الحصانة عن النائب من عدمه قد حدده المشرع الأردني في المادة (86) من الدستور التي تشترط فقط أن يكون هناك سبب كافي لتوقيف النائب أو محاكمته ليصوت مجلس النواب على رفع الحصانة عنه ومنح الإذن بمحاكمته.

فلم يتطرق النص الدستوري إلى حكم تعطيل النائب عن عمله النيابي من جراء مباشرة الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها كمبرر مشروع لعدم رفع الحصانة البرلمانية عنه كما جاء في النظام الداخلي لمجلس النواب، وانما اعتد فقط بتوافر أسباب جدية وكافية للمباشرة بمحاكمته أو الاستمرار فيها. فيكون بالتالي حكم المادة (139) من النظام الداخلي لمجلس النواب مخالفا لأحكام الدستور.

وعلى خلاف مجلس النواب، فقد جاء النظام الداخلي لمجلس الأعيان أكثر توافقا مع أحكام الدستور فيما يتعلق بمعيار التصويت على الإذن بمحاكمة العين، حيث أخذ بمعيار كفاية الأسباب لرفع الحصانة وجديتها بغض النظر عن أي تعطيل محتمل للعين عن عمله البرلماني.

فقد نصت المادة (100) من النظام الداخلي لمجلس الأعيان على ضرورة أن يحيل رئيس المجلس تقرير اللجنة القانونية على المجلس بأسرع وقت ممكن، وأن يستمر المجلس في مناقشة الموضوع حتى البت نهائياَ في الأمر، وأنه إذا وجد المجلس سبباً كافياً لتوقيف العضو أو محاكمته فإنه يجب أن يتخذ قراره برفع الحصانة عنه بالأكثرية المطلقة.

لذا، فإن مجلس النواب مدعو إلى مراجعة أحكام التصويت على منح الإذن بمحاكمة النائب في نظامه الداخلي ليتماشى مع النص الدستوري بحيث يكون المعيار الأساسي لرفع الحصانة البرلمانية من عدمها وجود أسباب كافية ومقنعة لمحاكمة النائب بغض النظر عن أي تعطيل متوقع على عمله النيابي.

فقرار المحكمة الدستورية الأخير في ظل عدم دستورية نصوص النظام الداخلي لمجلس النواب الاردني الخاصة برفع الحصانة البرلمانية سيجعل تصويت مجلس النواب على رفع الحصانة عن أولئك النواب الذين تحركت في مواجهتهم دعوى الحق العام أمر يصعب تحقيقه أو يتصور حدوثه على أرض الواقع، فتحولت بذلك الحصانة البرلمانية إلى وسيلة للتهرب من المحاكمة وأداة للافلات من العقاب.

كفل الدستور لاعضاء المجلس حصانة خاصة في بعض الأحكام المقررة في التشريع الجنائى وذلك في حالتين :

الأولى: عدم مؤاخذة أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أعمالهم في المجلس أو في لجانه وهو ما يطلق عليه عدم المسئولية البرلمانية.
الثانية: عدم جواز اتخاذ أية اجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب -في غير حالة التلبس- الا بإذن سابق من المجلس..

وتزول الحصانة عن عضو البرلمان إذا ضبطت الجريمة في حالة تلبس، إذ أن حالة التلبس هي حالة تسقط معها كل الحصانات لأن الجريمة تكون مؤكدة ومرتكبها معروف وبالتالي لا توجد أية شبهة أو مظنة للكيد والتلبس..

ومن الواضح أن المجالس النيابية تضطلع بوظائف ومهام جسيمة، فهي من تسن القوانين التي تحدد معالم السياسات الحكومية على الصعيد الداخلي والخارجي كما أنها تراقب سياسات الحكومة الداخلية والخارجية من النواحي السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

فلذلك أعطى الدستور الأردني مجموعة من الحصانات لأعضاء مجلس النواب الأردني وذلك من اجل أن يمارسوا أعمالهم دون أية قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية بالشكل الذي يبعدهم عن أي تهديد أو وعيد أو ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم عن متابعة أعمالهم على أكمل وجه.

وقد نص الدستور الأردني في المادة (86) على ما يلي:

1-لا يوقف احد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فورا.

2-إذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون مجلس الأمة مجتمعا فيها فعلى رئيس الوزراء أن يبلغ المجلس المنتسب إليه ذلك العضو عند اجتماعه الإجراءات المتخذة مشفوعة بالإيضاح اللازم.

وعليه فإن الحصانة هنا تقضي بعدم جواز اتخاذ إجراءات التوقيف والمحاكمة بحق عضو مجلس النواب في غير حالة التلبس أثناء الانعقاد إلا بعد الحصول على أذن المجلس وهذا ما يطلق عليه بالحصانة البرلمانية الإجرائية أما الحصانة البرلمانية الموضوعية فتتمثل بعدم جواز مؤاخذة أعضاء البرلمان جزائيا ومدنيا في أي وقت من الأوقات عما يبدونه من آراء أو أفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني، ولقد جاء الدستور الأردني صريحا في أخذه بهذا النوع من الحصانة حيث نصت المادة (87) منه على انه” لكل عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب إليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب أي تصويت أو رأى يبديه أو خطاب يلقيه في إثناء جلسات المجلس”.

وعندما يطلب من مجلس النواب الاردني رفع الحصانة عن عضو من أعضائه فهو لا يبحث في موضوع الوقائع المنسوبة إليه بحثا قضائيا ليبين الإدانة أو البراءة وإنما يفحصها فحصا سياسيا للتأكد فقط من كون الاتهام جديا أو كيديا وليد دوافع أو أغراض انتقامية تهديديه، فإن ظهر للمجلس جدية الاتهام وجب عليه رفع الحصانة البرلمانية عن عضو البرلمان وهذا ما أكده النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة (150) منه حيث نصت على انه “ليس للمجلس أن يفصل في موضوع التهمة وإنما يقتصر دوره على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين له أن الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي”.

وفيما يتعلق بالتطور التاريخي للحصانة البرلمانية في الأردن فإننا نرى أن القانون الأساسي لعام 1928 لم يتضمن عند صدوره أية إشارة إلى الحصانة البرلمانية الموضوعية (الحصانة ضد جرائم الرأي) أو الحصانة البرلمانية الإجرائية (الحصانة ضد الإجراءات الجزائية) كضمانات من ضمانات المجلس التشريعي.

وقد كانت الحصانة البرلمانية من أهم المواضيع التي طرحها أعضاء المجلس التشريعي، حيث رفضوا النظر في جدول الأعمال الموكلة إليهم والتي كان على رأسها التصديق على المعاهدة الأردنية البريطانية إلا بعد إقرار نصوص تمنح أعضاء المجلس التشريعي الحصانة البرلمانية، فما كان من الأمير عبدالله إلا أن تدخل لفض النزاع لصالح المجلس التشريعي وتم منح أعضائه الحصانة البرلمانية بموجب تعديل القانون الأساسي لعام 1928 وقد جاءت المادة (41) من القانون الأساسي بعد التعديل لتؤكد على انه لا يلقى القبض على احد أعضاء المجلس التشريعي أو يحاكم خلال الدورة ما لم يعلن بقرار وجود سبب كاف لمحاكمته أو انه القي القبض عليه أثناء ارتكابه الجناية، ولكل عضو من أعضاء المجلس الحرية في التكلم ضمن حدود النظام الداخلي الذي اقره المجلس ولا تتخذ بحقه إجراءات قانونية من اجل أي تصويت أو رأي أو خطاب يلقيه، وإذا القي القبض على عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم.

وبعد إلغاء القانون الأساسي لعام 1928 وإصدار دستور 1947 أكد هذا الدستور في المادة (54) منه على انه لا يوقف احد الأعضاء ولا يحاكم في مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر في المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية بوجود سبب كاف لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه حين ارتكاب الجناية ولكل عضو الحرية في التكلم ضمن حدود نظام المجلس الذي هو منتسب إليه ولا تتخذ إجراءات قانونية من اجل أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه، وإذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء المجلس عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم.

مع الإشارة هنا إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب في تلك الفترة لم يتضمن أية إشارة إلى الحصانة البرلمانية بشقيها الموضوعي والإجرائي ولم يبين الآلية القانونية لرفع الحصانة.

وبعد ذلك صدر دستور 1952 والذي نص على الحصانة البرلمانية في مواده (86) و(87) والمذكورتين سابقا فدستور (1952) اوجب على الحكومة في حال القبض على العضو في حالة التلبس بالجريمة إعلام المجلس فورا وهذا ما لم يكن منصوصا عليه في دستور 1947.

والنظام الداخلي الحالي لمجلس النواب والصادر عام 2013 جاء متطورا ومنسجما مع ما تتطلبه الحياة النيابية والديمقراطية، ففيما يتعلق بالحصانة البرلمانية فقد أكد النظام الداخلي في المادة (146) منه على الحصانة البرلمانية الإجرائية ووسع من نطاقها الإجرائي ليشمل امتناع اتخاذ أية إجراءات جزائية أو إدارية بحق عضو البرلمان في إثناء فترة انعقاد المجلس باستثناء حالة التلبس بالجريمة.

كما بين النظام الداخلي إجراءات رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب حيث يقدم رئيس الوزراء طلب الإذن باتخاذ الإجراءات الجزائية إلى رئيس المجلس مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والأدلة ويقوم رئيس المجلس بإحالة الطلب إلى اللجنة القانونية لفحصه والنظر فيه وتقديم تقرير عنه خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً فأن لم يقدم التقرير خلال تلك المدة جاز للمجلس البت في الطلب مباشرة ويعرض تقرير اللجنة على المجلس لمناقشته للبت نهائيا بالأمر، فإذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الإجراءات المطلوبة يتخذ قراره برفع الحصانة بالأكثرية المطلقة.

ولا بد من الإشارة هنا أن العضو الذي رفعت عنه الحصانة ولم يوقف له الحق في حضور جلسات المجلس واجتماعات اللجان والمشاركة في المناقشة والتصويت، كما انه ليس من حق النائب إن يتنازل عن حصانته دون موافقة المجلس.

ومن هذا كله نجد أن الحصانة البرلمانية ما هي إلا عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة المقررة كاستثناء للبرلمان لتأمين استقلاليته عن السلطات الأخرى ولتمكينه من القيام بواجباته الدستورية، وتتمثل هذه القواعد بعدم مؤاخذة أعضاء البرلمان عما يبدونه من أراء وأفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني وعدم جواز اتخاذ إجراءات جزائية ضدهم إلا بعد الحصول على إذن المجلس التابعين له.

 

الصورة بعدسة المصور فارس خليفة

مقالات ذات صلة