أهم خبر في التاريخ الحديث: بداية نهاية وباء كورونا

كتب عبدالله مبيضين - أوهايو / الولايات المتحدة الأمريكية

الصحافة ليست مسطرة يجب أن تقاس عليها الأخبار، وليست مضمار سباق تتنافس فيه وسائل الأعلام للوصول إلى خط النهاية.. فقد تقع بين أمرين: إما تاريخ مزيف أو حقيقة خالدة.

الصحافة.. دون أن نتوه في تكييف المصطلح حسبما تقتضي كتب الجامعات ومقرراتها ليست مهنة، ولا تقع في دائرة الفنون، كما أنها ليست متجرا لبيع الكلمات وشراء الذمم…

وإن كان فك اسر الدنيا من سطوة الجهل والخوف والمجهول يتطلب جهدا إنسانيا خالصا دون اعتبار للغايات المألوفة للبشر، فالخبر يجب أن يأتي على شاكلته.. لا على هيئة مقيدة بالمكان والزمان وتفاصيل الحدث والخوض في الإجابات التي تعين الصحفي على الاسترسال في الكتابة.. وإنما على شكل يليق بأهمية الجوهر وعلو القيمة …

والقيمة هنا هي الحياة، الحياة التي كنا نعرفها قبل أن يسكن الذاكرة فيروس شرش، أوقف العالم على أصابع قدميه ليرى الموت وهو يحدق به من قريب.. وقد وصل به الأمر أن يأخذ بعضا منا بعيدا عنا إلى الأبد.. دون وداع يليق بذاكرة الإنسانية المأهولة بالحب والحنين…

الأخبار لا تشبه الحياة. فالحياة حركة لا قيد، دهشة لا ذهول، والتقاء لا تباعد اجتماعي يجبر أحدنا على استبدال الشمس بالشموع.. كما يفعل الذين ينتظرون اختراق المألوف من غيب.. دون أن ينتقل أحد منهم إلى غرفة مجاورة في العقل …

كنت أستعد لكتابة خبر منح إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ترخيص الاستخدام الطارئ للقاح الذي طورته شركة فايزر.. لكنه خبر متوقع، يستطيع أي صحفي محترف كتابة تفاصيله قبل يوم أو أكثر.. فالنتائج واضحة والتوقعات مبنية على الأرقام لا على الأوهام.

ثم يحصل اللقاح على الموافقة، وتبدأ عمليات توزيع المطعوم على مختلف جهات الأرض، وينشغل الناس في مناقشة الآثار الجانبية وتفاصيل حملات التلقيح وتلف بعض الجرعات هنا وهناك.. في وقت سيستعرض فيه المسؤولون في الدول النامية الحزينة انجازاتهم الوهمية أمام الكاميرات … فيما سيعلن أحد منهم عن انجاز الوعد وتحقيق المستحيل.. بالصدفة.

اليوم.. ستمنح إدارة الغذاء والدواء موافقتها لأول لقاح يستخدم للحد من مخاطر فيروس كورونا.. في وقت سيتفلسف فيه بعض الصحفيين لتسميته بـ “مستجد”.. لا ضير، فالكاتب والمكتوب عنه من عمر واحد .. أما الحقيقة فهي معاني خالدة لا كلمات…

على أية حال؛ سيحصل أول لقاح يقي من الإصابة بالمرض الذي يسببه فيروس كورونا على ترخيص استخدام طارئ من أعلى هيئة علمية تنظيمية في العالم.. وسيبدأ توزيعه على الفور إلى جهات الأرض بعد ساعات قليلة فقط من الخبر… أما الأخبار التي ستبدو “عاجلة” فهي متأخرة عن الحدث، هذا الذي بدأه العلماء من أجلنا نحن.. في وقت كنا نناقش فيه نظريات المؤامرة وفلسفات فئة جاهلة أمسكت بالعصا من ظل غصن بعيد في خيال بائس …

أما الحقيقة فيمكن كتابتها ببضع كلمات: أهم لقاحات القرن الواحد والعشرين وانجازاته بين أيدي الناس، وهو بداية نهاية الوباء.

هذا هو الخبر، وهو حقيقة خالدة، وما دونه إما تاريخ زائف أو تفاصيل زائدة.

مقالات ذات صلة