لماذا ارتبطت «النفس» بالإنسان فقط.؟

حسين الرواشدة

 

هل «النفس» الانسانية واضحة بما يكفي للتعرف عليها والاحاطة بجوهرها ووضع ما يلزم من ادوات للتعمل معها؟
لا يمكن – بالطبع – ان يتحقق ذلك دون معرفة معنى النفس، وهذا المعنى مختلف عليه، إذْ اجمع الفلاسفة مثلا – من افلاطون وارسطو الى الكندي والفارابي والغزالي..الخ، على ان النفس امر معنوي لا يخضع للحواس وانها مباينة للجسم الانساني وان كانت مسيطرة عليه وموجّهة له، فيما انتهى القرآن الكريم وهو يتحدث عن «النفس» في اكثر من 360 آية الى معان مختلفة تحمل دلالات مختلفة ايضا للنفس، فهي مرّة تدل على الانسان ذاته، بجانبيه المادي والروحي، ومرة على «الضمير الانساني» وثالثة على طبيعة الانسان، ورابعة على «الذات الالهية» ومع ذلك يقدم يقدم لنا القرآن الكريم اوصافا محددة لهذه النفس فهي مجبولة على الهوى، ولديها قابلية للتقوى والفجور، ومتقلبة غير مستقرة، تمتاز بالعجلة والتسرع، والخوف والرجاء، والبخل والشحّ، والهلع والفزع،.. الخ، كما ان لها احوالا ومراتب منه النفس المطمئنة، والاخرى اللوّامة، وكذلك الراضية والامّارة بالسوء.
حتى الآن، لا يعرف احد على وجه الدقة معنى النفس الانسانية وطبيعة علاقتها مع الروح والجسد، وحدود التفاعل الذي يحصل بين هذه المكوّنات ولا تكاد تجد اجابات حاسمة على كثير من الاسئلة التي تتعلق «بالنفس» مثلا: هل حياة النفس مستقلة عن حياة الجسد؟ هل كانت النفس موجودة قبل ان توجد في جسم الانسان؟ هل اختلاف الانفس متعلقة باختلاف الاجساد التي تحملها والارواح التي تسكنها؟ لماذا اقترن الموت بالنفس واقترنت الحياة «بالروح»؟ هل تفنى الانفس وتموت ام تعود للحياة مرّ اخرى؟ لماذا ارتبطت «النفس» بالانسان فقط دون سائر الحيوان؟
هذه عينة فقط من اسئلة تداولها – كما ذكرنا – الفلاسفة، والفقهاء ايضا، واجابوا عليها – بالطبع – لكنهم انتهوا الى التسليم بالموجود – كما هو – وفهمه في حدود افهامهم ومدى حاجتهم للتعامل معه، ولم اجد – على حدّ علمي – دراسة علمية كاشفة لمعنى ومفهوم النفس كما وردت في القرآن الكريم، لا على اساس معرفي محض او اجتماعي او سياسي او غيره، مع ان في هذا الكتاب الكريم الذي تكررت فيه لفظة «النفس» مئات المرات، ما يمكن التبصر فيه لارشادنا – كبشر – الى حقيقة انفسنا، معرفة وفهما واستدلالا.. على اعتبار ان معرفة النفس – بدلالاتها وخصائصها وامراضها وسبل علاجها – هو «سر» التغيير.. ومفتاح الاصلاح ايضا، اذا كنا نريدهما فعلا.
هل يكفي ان نقول «غيّروا ما في انفسكم» قبل ان نفهم ما هي «انفسنا»؟ هل يمكن ان يقودنا الجهل بحقيقة انفسنا وما فيها من استعدادات وقدرات وميولات الى «العلم» بواقعنا ومواجهة اسئلة عصرنا؟ لا، بالتأكيد، لكن ذلك لا يمنع من الافادة بما وصل اليه العلم الحديث، وقد ندهش فعلا حين نسمع – مثلا – ان في «الجين» الواحد مناطق واسعة وطبقات مختلفة، تشبه الكرة الارضية، كل نقطة فيها مسؤولة عن جانب لا ارادي في العقل البشري، كما ندهش – ايضا – حين نسمع ما انتهى اليه العلم الحديث في مجال التعامل مع «الذكاء» البشري او الاستعدادات النفسية لدى الانسان.. لكن هذه الدهشة لا تغدو ذات بال حين نقرأ في القرآن آيات معجزة عن «النفس» والروح وما تخضع لهما من حدود ومعايير وقوانين في وجودهما وحركتهما ومصيرهما. مما يستعصي على فهمنا في كثير من الاحيان.

مقالات ذات صلة