الأزمة تشتد لهذه الأسباب

حرير – لا تعرف ماذا ستفعل الحكومة أمام الوضع الاقتصادي الذي يتراجع بسرعة، وكل يوم يمر تأتيك مؤشرات أكثر خطورة من سابقاتها، مما سيجعلنا في الربع الأخير من هذا العام، إضافة إلى العام المقبل، أمام تحولات قد لا تكون مسبقة، على الصعيد الاقتصادي، والواقع الذي نراه راكمته كل الحكومات المتعاقبة، وليس وليد هذه الأيام حصرا.
من ناحية الأرقام فقد قدرت الموازنة للعام الحالي، العجز بـ 646 مليون دينار لعام كامل، لكن حتى نهاية الشهر السابع كان العجز قد وصل إلى 739 مليون دينار، ولو أدخلنا شهري آب وأيلول لتغير الرقم أيضا، إضافة الى الشهر الحالي، فالضرائب تتراجع، بما في ذلك الضرائب على الوقود، بسبب تراجع الاستهلاك عشرين بالمائة، بما يعني تراجع واردات الخزينة، وكل المؤشرات تدل على تراجعات جديدة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
هذا يعني أن صندوق النقد الدولي، الذي يقدم الوصفات للأردن مقابل شهادات حسن السمعة، والتصنيفات من أجل الحصول على قروض، سيتخذ موقفا سلبيا من الأردن، وسوف يضغط من أجل خفض العجز، وأبرز الملفات التي قد يتم الدخول اليها، الغاء دعم الخبز كليا المقدر بـ 170 مليون دينار، وتقول الحكومة الحالية انه ارتفع إلى 270 مليون دينار، وإلغاء دعم المياه وفقا لمنطوق الحكومات والمقدر بثلاثمائة مليون دينار تقريبا، وقد يصل الأمر إلى إجراء تخفيضات على موازنة الصحة، وغير ذلك من احتمالات.
الازمة هنا تكمن في أمرين، أولهما أن صندوق النقد الدولي سوف يفرض إجراءات صعبة جدا على الأردن، وثانيهما ان هذه الإجراءات سوف تنطبق على الناس الذين سيواجهون وضعا اصعب من الآن، والخلاصة أن أية إجراءات جديدة سوف تؤدي إلى مزيد من التراجعات الاقتصادية، والانجماد، والكساد، والركود، ولن يجد الأردن أي حل سوى اللجوء الى الداخل الأردني لمزيد من التحصيلات المالية، من جيوب الناس.
هذا الوضع الذي تحاول الحكومة تجنبه، سيفرض نفسه عما قريب، بما يعنيه ذلك من نتائج اجتماعية على صعيد الفقر، وارتفاع الجريمة، وانتشار العنف والغضب، وما يعنيه اقتصاديا من زيادة البطالة، واغلاق المشاريع وخسارة الوظائف، واللافت للانتباه هنا ان كل المعالجات الاقتصادية، لا تقف عند الكلفة الاجتماعية، لهذه المعالجات، بل انها تقف عاجزة ومشلولة تماما، ولا تجد أي حل جذري من اجل التخفيف من هذا الوضع.
احد الاقتصاديين الرسميين السابقين، ممن لا يتولون أي موقع حاليا قال أمام مجموعة سياسية قبل أيام في عمان، إن الحل قد يكون بتخلي الدولة عن قطاعي التعليم والصحة، عبر خصخصتهما، وهما يكلفان الدولة مبالغ مالية فلكية، إضافة إلى طرح مشروع من أجل إعادة هيكلة الجهاز الحكومي عبر التخلص من عشرات آلاف الموظفين، إضافة إلى فرض ضرائب على المغتربين، وإعادة النظر بكل أنواع الرسوم والضرائب، من أجل جباية فاعلة، تضمن تدفق المال على الخزينة، ولا حل أمام الأردن برأيه إلا هذا الحل.
في كل الأحوال هذا حل كارثي، لان التخلي عن قطاعي التعليم والصحة، سيؤدي إلى نتائج صعبة جدا على المواطنين الذين يستحيل أن يحصلوا على ذات الخدمات الحالية بذات القيمة التي يدفعونها الآن، ثم ان الضرائب على المغتربين ليست عادلة على أناس يتم اخراجهم من كل الحسابات، من التصويت خارج الأردن في الانتخابات البرلمانية، وصولا الى اخراج ابنائهم من قوائم المنافسة العادية على الجامعات، وغير ذلك، اما إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، فمن اين للخزينة بالمال، من اجل دفع تعويضات الموظفين؟!.
هذا يعني اننا أمام حالة افلاس في الحلول، والمديونية التي وصلت الى حدود تسعة وعشرين مليار دينار ونصف المليار، ويتوقع لها أن ترتفع أكثر، تعبر عن الازمة الأعمق، مع تراجع أرقام النمو، ولعلنا نسأل هذه الأيام كيف سيعبر الأردن حتى نهاية العام الحالي، وكيف سيكون خلال العام 2020، وإذا ما كانت هناك أطواق نجاة، أم أن الأزمة باتت طبيعية وتتشابه أيضا مع أزمات أغلب الدول العربية الغارقة في الديون والعجز، والتي تغيب فيها التنمية، ويتبدد فيها المستقبل، ولا شيء فيها سوى انتظار يوم جديد.
يبقى السؤال الأهم: هل هذه أزمة اقتصادية، أم انها في حقيقتها أزمة سياسية، تتجلى بمظاهر عدة، من بينها المشكلة الاقتصادية، والسؤال مفرود للإجابة.

ماهر ابو طير

مقالات ذات صلة