أكلتني السمكة… طلعت شناعة

وقعتُ في شرّ أعمالي وقادتني نفسي «المتهوّرة والدنيّة» إذا شئتم، الى محل لبيع الأسماك في عمّان الغربية. فقد غرّر بي أحدهم وأنا عادة ما يتم التغرير بي بسهولة تماما مثل الشعوب العربية ـ قبل اكتشاف البوعزيزي ـ الفتى التونسي الشهير والشهيد. قال الصديق إن هناك محلا يعرض السمك بأسعار مخفضة. يعني عامل تنزيلات بمناسبة فصل الربيع.
وأخذ صديقي يزيد من إغوائي ويشيد بفوائد السمك وكل الحلزونات والكائنات البحرية. وخرجت من فمه مِرارًا كلمة sea food . فلم يكن أمامي بُدّ سوى الانصياع التام والذهاب معه الى حيث عالم الاسماك والكائنات المائية.
كنتُ جاهلا بما أرى. فلم أفهم ما يعنيه الرجل من أنواع وأسماء لكائنات مفتوحة العينين ومن فوقها أكوام من حُبيبات الثلج. وأثناء مناقشة صديقي لصاحب المحل عن مصادر السمك القادم الى الاردن وتغير عادات الاردنيين بعد «التسعينات» من القرن الماضي حيث قلة تحب تناول السمك الى كثرة تتنافس للفتك به على موائدها مشويا ومقليا ومطبوخا.
كنتُ «أحوس» بين الثلاجات الزجاجية أتأمل بعين الجاهل وليس العارف، مرتبانات صغيرة قيل لي أنها «الكافيار» ( أبو الطاقة النووية للرجال) وسعرها بالطبع أغلى بكثير من باقي أنواع السمك.
وما أن وصلنا الى مرحلة الشراء باغتنا الرجل أن «عرض التخفيضات» انتهى، وأشار الى نوع «وحيد» عليه تخفيضات واسمه «بلول» . ولم يكن من الموت بُدّ ولم أشأ أن أعود بـ  «خُفّيّ» شناعة.
فاستسلمت لاختيار صديقي وكانت سمكة واحدة وزنها 2 كيلوغرام بالتمام والكمال.
قلت : «سمكة في اليد خير من حوت في البحر» . المهم الواحد ما يرجع فاضي.
وما أن وصلت الى البيت حتى كانت زوجتي تطلق زغرودة وقالت بما يشبه «التهكّم» : غاب السّبع وجاب. وواصلت «مسلسلها»: جايب حوت. أنت من وينتا بتوكل سمك؟
قلت لها: غرّر بي صديق وقلت أجرّب نتغدى بكرة سمك، شو المشكلة؟
أخذت تقصفني بالأسئلة الاستنكارية وكأنني «مُعتقل» في سجن النساء.
قلت لها : وحّدي الله الولاد نايمين وبلاش فضايح بلاش الناس يفكروني حامل قتيل … استُرينا !
وفي اليوم التالي، جاءت زوجتي بالسمكة التي تحولت الى قطع ضخمة ومعها المتبل والبطاطا المقلية والبقدونسية بالطحينة.
تناولت إحداها وسط نظرات أولادي المتحفزة. وجدت صعوبة في أكل السمكة. جلدها الخارجي، يشبه جلد الجمَل، خشن وفي داخلها أنياب حادة إضافة للشوك او السفّير أو الحسك. لكنني كنت مثل «بالع الموس» غير قادر على الشكوى ولا حتى أن أفتح تمّي. فالكل يتربص بي. وأنا محاصر بين «حوت شرس» و «أولاد» و»زوجة» يتمنون أن  «أزْوَر»  لكي يُعلنوا شماتتهم بي.
أكلت ما يمكن أكله وفي اليوم التالي أكتشفت أنني اشتريت نوعا من أسماك «القِرش». وما تناولته لم يكن سوى «ابن» القِرش.
وعلى رأي المثل: اللي ما اله حظّ بيلاقي العظمة في «سمكة قِرش».. الفكّ المُفْترِس» !!

مقالات ذات صلة