إسرائيل لم توقف الحرب

محمد عايش

حرير- الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، تؤكد أن إسرائيل لم توقف الحرب على غزة، وإنما غيَّرت شكلها فقط، كما أن الحال نفسه ينطبق على لبنان، الذي لم يتوقف استهدافه بالاعتداءات الإسرائيلية، وهذا يعني أن إسرائيل تريد من كل الأطراف، أن تلتزم بوقف إطلاق النار وفقاً لمبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من دون أن تلتزم هي بذلك.

الأيام الماضية أثبتت أن قوات الاحتلال الإسرائيلي مستمرة في اعتداءاتها اليومية على غزة ولبنان والضفة الغربية، بل إنها بمجرد بدء الوقف الصوري للحرب على غزة، عادت إلى تصعيد العدوان على الضفة الغربية وعلى جنوب لبنان، بل لم يعد ثمة اختلاف بين ما يتعرض له لبنان، على الرغم من وجود اتفاق لوقف إطلاق النار، وبين ما تتعرض له الضفة الغربية، والحال لا يختلف عن قطاع غزة، الذي لا يزال يشهدُ اعتداءات يومية تعرقل العودة إلى الحياة الطبيعية.

منذ إعلان الرئيس الأمريكي انتهاء الحرب على غزة قبل نحو شهر كامل، قامت إسرائيل بتغيير استراتيجية الحرب وشكلها ضد قطاع غزة، وتحولت إلى استراتيجية مشابهة لتلك التي تستخدمها في لبنان منذ أكثر من عام، حيث تشن هجمات منتقاة ومركزة ومفاجئة على أي هدف تستطيع رصده، أو الوصول إليه، ولو كان هدفاً غير مؤكد. وبالتوازي مع الهجمات التي تشنها إسرائيل على الأهداف التي تستطيع رصدَها في غزة ولبنان، فإنها تعمل على مدار الساعة من أجل إشعال حرب أهلية تصبُ في نهاية المطاف في مصلحتها؛ ففي لبنان تريد إشعال حربٍ بين حزب الله وخصومه الداخليين، وذلك عبر الضغط لنزع السلاح، وإنهاء ظاهرة المقاومة، وكذا الحال في غزة، حيث حاول ويحاول الإسرائيليون إشعال صراع بين حماس وميليشيات معادية، تم تشكيلها خلال الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين. وخلال الأسابيع الثلاثة التي تلت إعلان ترامب انتهاء الحرب على غزة يوم 11أكتوبر/ تشرين الأول، أدت الاعتداءات الإسرائيلية إلى استشهاد أكثر من 200 فلسطيني في غزة، وإصابة أكثر من 500 آخرين، كما ازدادت وتيرة الاعتداءات في الضفة الغربية ولبنان، وزادت القواتُ الإسرائيلية من توغلها داخل الأراضي السورية ونصبت مزيداً من الحواجز. وبعد مرور أكثر من شهر على الانتهاء المزعوم للحرب، ما زالت المجاعة تضرب قطاع غزة، وما زالت المواد الأساسية غائبة عن رفوف المتاجر، وما زال الحصار مفروضاً على القطاع، والمعابر مغلقة، ولم يتم البدء بإعادة الإعمار، بل لم يتم أيضاً السماح لأعداد هائلة من الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم المدمرة، أو الوصول إلى أراضيهم.

كلُ هذه البيانات والمؤشرات، تؤكد أنَّ إسرائيل لم توقف الحرب، وأنها ماضية في مشروعها لتغيير المنطقة بأكملها، بما يؤدي لخدمة مصالحها، وأنَّ المشروع الإسرائيلي يقوم على تجاهل وجود الفلسطينيين، أو طموحهم في إقامة دولة مستقلة، ولا يريد سوى إخضاعهم بشكل كامل. إسرائيل أيضاً ليس لديها سيناريو لمستقبل قطاع غزة، فلا هي تريد أن تعود حركة حماس إلى حُكم القطاع، ولا تريد للسلطة الفلسطينية وحركة فتح أن تتولى هذا الأمر، ولا هي استطاعت إنشاء ميليشيا موالية لها على غرار «جيش أنطوان لحد»، الذي كان في جنوب لبنان في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهذه الأزمة الإسرائيلية هي التي دفعت الولايات المتحدة للتدخل عبر «خطة ترامب» التي تتحدث عن قوات عربية ودولية كمرحلة انتقالية في القطاع، وهو المشروع الذي يبدو واضحاً أيضاً أنه لا يزالُ متعثراً.

إسرائيل تريد خلق غزة جديدة بالكامل، على أن تتحول إلى مدينة تخدم المشروع الإسرائيلي ولا تتناقض معه، وهذا الطموح سيفشل لا محالة بسبب، أن الفلسطينيين رفضوا التهجير وتمسكوا في البقاء في أرضهم، وهو ما يعني أن تغيير الشعب لم يعد ممكناً، كما أن القضاء على حركة حماس لا يبدو أنه نجح، أو سينجح، وذلك بسبب صمود مقاتليها غير المتوقع، الذي استمر لأكثر من عامين. وبين هذا وذاك فاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، أو وجود قوات أجنبية لتقوم مقامه، لا يبدو أنه سيناريو قابل للحياة، أو يُمكن تنفيذه في مكان مثل قطاع غزة.. لا حل في فلسطين بالقوة والإخضاع، وإنما الحل الوحيد المنطقي هو إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية منطقية قابلة للحياة.

مقالات ذات صلة